انتقل إلى المحتوى

مستخدم:أبو حمزة/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

تُعد قصة الخروج هي الأسطورة المؤسسة لبني إسرائيل.[1] هناك إجماع علمي على أن قصة الخروج الموصوفة في التوراة ليست تاريخية، وإن كان قد يكون لها أصل تاريخي وراء هذه القصة الكتابية.[2][3] يعتقد علماء الآثار المعاصرون أن بني إسرائيل كانوا سكانًا أصليين في أرض كنعان، ولم يتواجدوا أبدًا في مصر القديمة، وأنه إذا كان هناك أي أساس تاريخي لقصة الخروج، فيمكن أن ينطبق فقط على شريحة صغيرة من بني إسرائيل.[4] ومع ذلك، من الممكن القول أن بعض الأحداث التاريخية ربما تكون قد ألهمت هذه الرواية، حتى ولو اعتبرنا أن موسى وقصة الخروج ينتميان إلى الذاكرة الثقافية الجماعية وليس للتاريخ.[5] وفقًا لأبراهام فاوست "يتفق معظم العلماء على أن الرواية الكتابية لها أصل تاريخي، وأن بعض مستوطني المرتفعات جاءوا، بطريقة أو بأخرى، من مصر".[6]

يعتقد عالم المصريات جان أسمان أن قصة الخروج جمعت بين طرد الهكسوس، وثورة أخناتون الدينية، والمواجهات مع العبيرو (الذين كانوا عصابات عدائية يتواجدون في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم)، وهجرات شعوب البحر واسعة النطاق في إطار "قصة خيالية متماسكة من حيث تكوينها، وتاريخية من حيث بعض مكوناتها".[7]

الإجماع التاريخي[عدل]

يُجمع العلماء المعاصرين على أن التوراة لا تقدم وصفًا دقيقًا لأصول بني إسرائيل.[8] ليس هناك ما يشير إلى أن بني إسرائيل عاشوا في مصر القديمة، ولا تظهر في شبه جزيرة سيناء أي شواهد تقريبًا على وجود أي استيطان فيها طوال الألفية الثانية قبل الميلاد بأكملها (حتى في قادش برنيع، التي قيل أن بني إسرائيل أمضوا فيها 38 عامًا، والتي لم تكن مأهولة حتى بدايات القرن الثاني عشر قبل الميلاد).[9] وعلى النقيض من غياب الأدلة حول الاستعباد في مصر والتيه في البرية، هناك دلائل وافرة على تطور بني إسرائيل داخل أرض كنعان من جذور كنعانية أصيلة.[10] وفي الوقت الذي لا زال فيه عدد قليل من العلماء يناقشون تاريخية قصة الخروج، أو على الأقل معقوليتها، تخلى غالبية علماء الآثار عن تاريخية القصة، حيث اعتبر عالم الآثار ويليام ديفر إثبات تاريخيتها "سعيًا غير مثمر".[11][12]

تحتوي القصة الكتابية على بعض التفاصيل المصرية الأصيلة، وإن كانت قليلة، كما أن القصة في كثير من الأحيان لا تعكس الأوضاع في مصر خلال فترة نهاية العصر البرونزي أو حتى مصر على الإطلاق (فمن غير المرجح، على سبيل المثال، أن تضع الأم طفلًا في "سفط من البردي" في النيل حيث يواجه خطر التماسيح).[13] في المقابل، قد تتلاءم عناصر القصة، التي لا تتوافق مع الأوضاع في الألفية الثانية قبل الميلاد، مع الأوضاع في الألفية الأولى قبل الميلاد؛ مما يجعلها تبدو كمحاولة لكاتب من الألفية الأولى قبل الميلاد حاك قصة قديمة تدور أحداثها في مصر.[14]

بعد قرن من الأبحاث التي أجراها علماء الآثار وعلماء المصريات، لم يُعثر على أي دليل يمكن أن يكون مرتبطًا بشكل مباشر بالاستعباد في مصر أو الهروب أو التيه عبر البرية.[15] يتفق علماء الآثار بشكل عام على أن بني إسرائيل لديهم أصول كنعانية،[16] فثقافة المستوطنات الإسرائيلية الأولى كنعانية، وأدوات تعبُّدهم هي الأدوات الخاصة بعبادة الإله الكنعاني إيل، وبقايا الفخار التي عُثر عليها مصنوعة وفق الأسلوب الكنعاني، والأبجدية التي استخدموها كانت الكنعانية القديمة.[17] على الرغم من زعم بعض الدراسات الحديثة بوجود تأثير مصري في الثقافة الإسرائيلية المبكرة،[18] فإن العلامة الوحيدة التي تميز القرى "الإسرائيلية" عن المواقع الكنعانية هي غياب عظام الخنازير، على الرغم من أن اعتبار ذلك كعلامة عرقية أم أنه يرجع إلى عوامل أخرى، لا زال موضع خلاف.[17]

وفقًا لآيات الخروج 12: 37-38، بلغ عدد بني إسرائيل "حوالي ستمائة ألف رجل مشاة، إلى جانب النساء والأطفال"، ومواشيهم. أعطت آية العدد 1: 46 عددًا أكثر دقة بلغ 603,550 رجل أعمارهم فوق العشرين عامًا. مع وفرة العدد الذي تجاوز 600 ألف مقاتل، من الصعب التوفيق بين فكرة هذا العدد وبين المعلومات التي تفيد بأن بني إسرائيل كانوا خائفين من الفلستيين والمصريين.[19] وفقًا لعدد الرجال، يُرجح أن العدد الإجمالي للرجال وزوجاتهم وأطفالهم تراوح بين 2 إلى 2.5 مليون نسمة.[20] إذا اعتبرنا أنهم سيسيرون في صفوف من عشرة أفراد دون احتساب ماشيتهم، لشكّلوا طابورًا يبلغ طوله 240 كيلومترًا.[21] وفي التوقيت الذي تزعم القصة أن الأحداث دارت فيها، كان عدد سكان مصر يتراوح بين 3 إلى 4.5 مليون نسمة،[20] ولم يُعثر على أي دليل على أن مصر عانت من كارثة ديموغرافية واقتصادية ترجع إلى فقدان السكان،[22] أو أن صحراء سيناء استضافت (أو حتى كان من الممكن أن تستضيف) هؤلاء الملايين من الأشخاص وقطعانهم.[23] حاول البعض تقليل الأرقام، فمثلًا فسّروا القراءة العبرية على أنها "600 عائلة" بدلاً من 600,000 رجل، لكن كل هذه المحاولات كان لها مشاكلها الخاصة.[24]

تشير تفاصيل قصة الخروج إلى عصيون جابر كإحدى محطات الخروج، إلا أن تاريخ تأسيسها يرجع إلى فترة ما بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد، وربما كانت فيها فترة استيطانية خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد،[25] كما أن أسماء الأماكن الواردة على طريق الخروج التي حدّدتها القصة - أرض جاسان وفيثوم وسكوت ورعمسيس وقادش برنيع بأنها كانت موجودة في الألفية الثانية قبل الميلاد، ظلت أيضًا باقية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد.[26] كذلك، تُعد مسألة خوف فرعون من أن يتحالف بنو إسرائيل مع غزاة أجانب أمرًا غير مرجح في ظل الأوضاع في أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد، حيث كانت أرض كنعان جزءًا من الإمبراطورية المصرية ولم تواجه مصر أي أعداء في هذه الجهة، ولكنها قد تبدو منطقية في ظل أوضاع الألفية الأولى قبل الميلاد، عندما كانت مصر أضعف إلى حد كبير، وواجهت غزوًا أولاً من الإمبراطورية الأخمينية، ثم لاحقًا من الإمبراطورية السلوقية.[27] كما يُشير ذكر الجمال في الخروج 9: 3 أيضًا إلى تاريخ لاحق، حيث يُعتقد أن التوسع في استئناس الجمال كحيوانات أليفة لم يحدث قبل أواخر الألفية الثانية، بعد ظهور بني إسرائيل بالفعل في أرض كنعان،[28] ولم يستأنسها المصريون إلا في الفترة من 200-100 ق.م تقريبًا.[29]

يعتبر التسلسل الزمني لقصة الخروج أمر رمزيًا، فمثلًا، كانت ذروة قصة الخروج بإقامة خيمة الاجتماع كمسكن ليهوه بين شعبه، وهو الحدث الذي أرّخه الكتاب المقدس بأنه كان في سنة 2666 من خلق الإله للعالم، أي بعد ثلثي حقبة أربعة آلاف سنة التي بلغت ذروتها وقت أو قرابة إعادة تكريس الهيكل الثاني سنة 164 ق.م.[30][31] لذا، فإن محاولات تحديد قرن معين جرى فيه الحدث لم يكن أمرًا حاسمًا.[32] حدّدت آية الملوك الأول 6: 1 بناء هيكل سليمان بأنه تم بعد 480 سنة من خروج بني إسرائيل، مما يعني أن الخروج حدث حوالي سنة 1450 ق.م.، غير أن هذا الرقم المحدد بلاغي وليس تاريخي، حيث أنه يمثل اثني عشر جيلًا مدة كل منها أربعين عامًا.[33][34] على أي حال، كانت أرض كنعان في ذلك الوقت جزءًا من الإمبراطورية المصرية، مما يجعل بنو إسرائيل في الواقع يهربون من مصر إلى مصر،[35] كما لا تُظهر مدن أرض كنعان طبقات دمار تتفق مع رواية سفر يشوع عن احتلال الأرض.[36] يعتقد ويليام أولبرايت عالم الآثار الكتابي الرائد أن الخروج حدث حوالي 1250-1200 ق.م.، لكنه وصف العلامات "الإسرائيلية" (المنازل المكونة من أربع غرف، والجرار ذات الحواف، وما إلى ذلك) بأنها استمرار للثقافة الكنعانية.[37] في النهاية، أدى نقص الأدلة إلى استنتاج العلماء أن قصة الخروج لا تمثل لحظة تاريخية محددة.[38]

تسرد التوراة الأماكن التي استراح فيها بنو إسرائيل. يتفق عدد قليل من أماكن بداية الرحلة، بما في ذلك رعمسيس وفيثوم وسكوت، بشكل جيد مع المواقع الأثرية على الحافة الشرقية لدلتا النيل،[26] كذلك الحال مع قادش برنيع، حيث قضى بني إسرائيل 38 سنة بعد رجوعهم من أرض كنعان؛ بخلاف ذلك، القليل جدًا من الأماكن الأخرى يمكن تأكيد وجودها. هناك خلاف حول تحديد موضع عبور البحر الأحمر بين أنه كان عند الفرع البيلوزي لنهر النيل، أو في مكان ما على طول شبكة البحيرات المرة، أو القنوات الأصغر التي شكلت حاجزًا في الشرق أمام الهروب، أو خليج السويس (جنوب شرق سكوت)، أو خليج العقبة (جنوب عصيون جابر)، أو حتى عند بحيرة شاطئية على ساحل البحر المتوسط. كما حُدد المقصود بجبل سيناء بأنه جبل موسى في جنوب شبه جزيرة سيناء، لكن هذا التحديد يرجع تاريخه إلى القرن الثالث الميلادي فقط،[39] رغم احتمالية تواجد مكان اسمه "سيناء" في جنوب شبه جزيرة سيناء، حيث ورد هذا الاسم في خط سير رحلة مسؤول مصري من الأسرة الحادية عشرة.[40]

المراجع[عدل]

  1. ^ Sparks 2010، صفحة 73.
  2. ^ Faust 2015، p.476: "While there is a consensus among scholars that the Exodus did not take place in the manner described in the Bible, surprisingly most scholars agree that the narrative has a historical core, and that some of the highland settlers came, one way or another, from Egypt..".
  3. ^ Hoffmeier 2014، صفحة 47.
  4. ^ Collins 2004، صفحة 182.
  5. ^ Meyers 2005، صفحة 10.
  6. ^ Faust 2015، صفحة 476.
  7. ^ Assmann 2014، صفحة 26.
  8. ^ Davies 2015، صفحة 51.
  9. ^ Finkelstein 2015، صفحة 41.
  10. ^ Barmash 2015، صفحة 4.
  11. ^ Moore & Kelle 2011، صفحة 89.
  12. ^ Dever 2001، صفحة 99.
  13. ^ Barmash 2015، صفحة 2.
  14. ^ Moore & Kelle 2011، صفحات 88–91.
  15. ^ Meyers 2005، صفحة 5.
  16. ^ Shaw 2002، صفحة 313.
  17. ^ ا ب Killebrew 2005، صفحة 176.
  18. ^ Burke 2022، صفحة 537.
  19. ^ Miller 2009، صفحة 256.
  20. ^ ا ب Redford 1992، صفحة 408.
  21. ^ Cline 2007، صفحة 74.
  22. ^ Hoffmeier 2005، صفحة 153.
  23. ^ Dever 2003، صفحة 19.
  24. ^ Grisanti 2011، صفحات 240–246.
  25. ^ Finkelstein 2015، صفحة 42.
  26. ^ ا ب Van Seters 1997a، صفحات 255ff.
  27. ^ Soggin 1998، صفحات 128–29.
  28. ^ Finkelstein & Silberman 2002، صفحة 334.
  29. ^ Faye 2013، صفحة 3.
  30. ^ Hayes & Miller 1986، صفحة 59.
  31. ^ Davies 1998، صفحة 180.
  32. ^ Killebrew 2005، صفحة 151.
  33. ^ Moore & Kelle 2011، صفحة 81.
  34. ^ Thompson 1999، صفحة 74.
  35. ^ Barmash 2015، صفحة 16, fn.10.
  36. ^ Finkelstein & Silberman 2002، صفحات 77–79, 82.
  37. ^ Killebrew 2005، صفحات 175–77.
  38. ^ Killebrew 2005، صفحة 152.
  39. ^ Hoffmeier 2005، صفحات 140ff.
  40. ^ Cooper، Julien (فبراير 2023). "The Earliest Mention of the Placename Sinai: The Journeys of Khety". The Ancient Near East Today. ج. 11 ع. 2.