إشارة (صوفية)

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الإشارة عند الصوفية هي تلميح وإيماء وتعريض عن معارف وأحاسيس ومشاهدات وتجارب، على خلاف تصريح العبارة، مردها إلى كثرة ذكر وتدبر المريد وشعوراته وأذواقه ضمن مقام الإحسان.[1][2][3][4]

تعريف[عدل]

الإشارة هي تعبير لطيف عن سير المريدين والسالكين ضمن معالم الخطاب الصوفي القائم كذلك على رمزية العبارة، والذي هو خطاب تؤطره روحانية المشاهدة وبُعد غور المعتقد الإسلامي.[5]

ويختص موضوع الإشارات بالتطرق إلى مواضيع الخواطر والمشاهدات والمكاشفات، وهي المفاهيم الروحانية التي تفردت بها المدرسة الصوفية، بعد جمعها كذلك سائر العلوم الشرعية الأخرى.[6]

فاللجوء إلى الإشارات لدى الصوفي مرده أن مشاهدات القلوب ومكاشفات الأسرار لا يمكن الإفصاح عنها بالعبارة على التحقيق، بل تُعلم بالمنازلات والمَواجيد، ولا تتم معرفتها إلا ممن نازل تلك الأحوال، وحل تلك المقامات.[7][8]

وقد وصف المتصوفة علومهم، كالأنوار والأسرار والعبارات والإشارات، بلغة تعجز عنها إحاطة اللسان العادي، وراحوا يستنبطون في ذلك إشارات لطيفة ومعان جليلة واختلفوا، بما استنبطوه، عن الفقهاء والمحدِّثين والمتكلمين وامتازوا عنهم؛ لأنهم تميزوا بالتجربة الروحيّة وتذوق علوم الحال.[9]

ومن ثمّ يلزم للذي يريد أن يفهم مسائل إشارات المتصوفة أن يرجع إلى عارف ممارس لهذه الأحوال وعلومها ودقائقها؛ لأن الإشارة الصوفية قائمة في الأساس على الحال، ومؤسسة عليه.[10][11]

فالإشارة متأتية من بطن التجربة ومن ذوق المعاناة فيها، حيث أن الحال يُذَاق ذوقاً ولا يُكيف بلفظ ولا بحرف ولا بلغة، كما عرفها سراج الدين الطوسي بقوله:[12][13]

«الإشارات هي مواجيد قلوب ومواريث أسرار» – سراج الدين الطوسي

الإشارة في القرآن[عدل]

وردت مشتقات الفعل أَشَارَ في بعض الآيات من القرآن الكريم، منها:

سورة مريم:[14][15][16] ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم:29]

الإشارة في السنة النبوية[عدل]

ورد معنى الإشارة الصوفية في بعض الأحاديث الشريفة، منها:[17][18][19]

«روى أبو هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ، لا يَعْرِفُهُ إِلا الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ، فَإِذَا نَطَقُوا بِهِ لَمْ يُنْكِرْهُ إِلا أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ»

الإشارة والأحوال[عدل]

إذا كانت المقامات الصوفية مرتبطة بالعلوم مع المعارف، فإن الأحوال الصوفية مرتبطة بالعبارات مع الإشارات.[6][20]

أسبابها[عدل]

تنقسم مسببات بروز وظهور وتلفظ الإشارة من أفواه وكتابات المريدين إلى قسمين: «التلميح المأذون» و«التلميح المُتكلَّف».[21][22]

أما فيما يخص التلميح المأذون، فيقول عنه ابن عطاء الله السكندري:[23]

«مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي التَّعْبِيرِ: فُهِمَتْ فِي مَسَامِعِ الْخَلْقِ عِبَارَتُهُ، وَجُلِّيَتْ إِلَيْهِمْ إِشَارَتُهُ» – الحكم العطائية

أي من أذن الله -تعالى- له من العارفين في التلميح بالإشارة عن الحقائق، وهي العلوم الوهبية، فُهِمت في مسامع الخلق إشارته، فلم يفتقروا إلى معاودة ولا تكرار، وجُلِّيت وظهرت إشارته إليهم كذلك فلم يحتاجوا إلى إطناب ولا إكثار.[24]

محاذيرها[عدل]

بما أن الإشارة صنف من التلميح والتعريض والإيماء يتأسس على الذوق الصوفي وعطايا الشهود؛ فهو أيضاً ليس يناله مطلقاً لمن هو من غير أهله من المريدين والسالكين، أو ممَّن هو دونهم.[25]

وقد أبان الإمام محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله- هذا المعنى ذاته على طريقته حين قال:[26][27]

ومَن مَنَحَ الجٌهَّالَ عِلماً أضاعَهُ
وَمَن مَنَعَ المُسْتوْجبينَ فقد ظَلَم

وجاء في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لمؤلفه أبي نعيم الأصبهاني أن:[28]

«مخالطة ضُعفاء العقول تُضعف العقل» – أبو نعيم الأصبهاني

وَوَرَدَ في كتاب «تاج التراجم» لمؤلفه محيي الدين بن عربي أن:[29]

«مَنْ يَزْرع الحَبَّ في السِّباخ، يندم زَمَانَ الحِصَاد» – محيي الدين بن عربي

فليس كل ما يُعْرَف يُقال من أسرار وأنوار وأذواق وحقائق ومشاهدات، ولا كل ما يُقال يُوهَب لمن لا يستحقه.[30]

فيديوهات[عدل]

المراجع[عدل]

  1. ^ الإشارات والأحوال نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  2. ^ الأسرار والأوقات نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  3. ^ الخطاب الصوفي بين لطف الإشارة ورمزية العبارة – Aqlam Alhind نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  4. ^ مجلمة كلمة | منهج الهجرة إلى اللَّـه في القول الصوفي نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  5. ^ مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث - في بهاء اللغة الصوفية نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  6. ^ ا ب التعرف لمذهب أهل التصوف / الباب الحادي والثلاثون نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  7. ^ نظرات في اللغة الصوفية .. إشارات وإحالات | MEO نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  8. ^ المقامات والأحوال | التَّصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق | مؤسسة هنداوي نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  9. ^ الإشارات والأحوال نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  10. ^ الأسرار والأوقات نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  11. ^ البحث عن اليقين الروحي (الصوفي) في الثقافة الإسلامية (1-3) / ميثم الجنابي نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  12. ^ السر في أنفاس الصوفية - أبي القاسم/الجنيد - Google Livres نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  13. ^ اللمع في تاريخ التصوف الإسلامي - كرتونيه - أبي نصر عبد الله بن علي/السراج الطوسي - Google Livres نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  14. ^ القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة مريم - الآية 29 نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  15. ^ إسلام ويب - تفسير البيضاوي - تفسير سورة مريم - تفسير قوله تعالى فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا- الجزء رقم4 نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  16. ^ إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة مريم - قوله تعالى فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا - الجزء رقم8 نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  17. ^ درجة حديث إن من العلم كهيئة المكنون.. - إسلام ويب - مركز الفتوى نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  18. ^ ص102 - كتاب تخريج أحاديث إحياء علوم الدين - صلى الله عليه وسلم بقوله إن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا أهل المعرفة بالله فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار به فلا تح... نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  19. ^ إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 1-14 ج1 - أبي الفيض محمد بن محمد الحسيني/مرتضى الزبيدي - Google Livres نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  20. ^ النَّصُّ الصُّوْفِيُّ .. خِطَابُ إشَارَاتٍ أمْ إحْدَثِيَّاتٌ مَعْرِفِيَّة ؟ – ثقافات نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  21. ^ الموسوعة الشاملة - شرح الحكم العطائية نسخة محفوظة 2020-11-02 في Wayback Machine
  22. ^ الأحوال والمقامات عند الإمام ابن القيم – الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  23. ^ حِكمُ ابن عطاءِ السّكندري | طواسين للتصوف والاسلاميات نسخة محفوظة 2020-11-02 في Wayback Machine
  24. ^ شرح الحكم العطائية - الشرنوبي - عبد المجيد بن إبراهيم/الشرنوبي - كتب Google نسخة محفوظة 2020-11-02 في Wayback Machine
  25. ^ "دعوة الحق - الأسرار الصوفية ومواقف ابن عربي من علماء أهل الظاهر". مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-07.
  26. ^ "أأنثر درا بين سارحة البهم - الإمام الشافعي - الديوان - موسوعة الشعر العربي". مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-07.
  27. ^ 📃 الشافعي: أَأَنثُرُ دُرّاً بَينَ سارِحَةِ البَهمِ نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  28. ^ السر في أنفاس الصوفية - أبي القاسم/الجنيد - Google Livres نسخة محفوظة 2020-11-08 في Wayback Machine
  29. ^ رسائل ابن عربي (لونان) - محيي الدين محمد علي محمد/ابن عربي الحاتمي - Google Livres نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine
  30. ^ ص341 - الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة - كتمان لشيء من الأسرار عن الشيخ - المكتبة الشاملة الحديثة نسخة محفوظة 2020-11-07 في Wayback Machine