مستخدم:BroXadal/ملعب 1

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
جعفر المقتدر بالله
جعفر بن أحمد بن مُحمَّد طلحة بن جعفر بن مُحمَّد بن هارُون بن مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد بن عليُّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلب
درهم فضي باسم الخليفة العباسي المقتدر بالله نقش فوق صورة الفارس (لله جعفر)

معلومات شخصية
تاريخ الميلاد 22 رمضان 282 هـ
(13 نوفمبر 895 م)
الوفاة 28 شوال 320 هـ
(1 نوفمبر 932 م)
(بالهجري:38 سنة وشهر واحد و6 أيَّام)
(بالميلادي:36 سنة و11 شهر و18 يوم)
بغداد، العراق، الخلافة العبَّاسيَّة
سبب الوفاة قتل في المعركة
الكنية أبُو الفضل
اللقب المُقتدر بالله
الديانة مُسلمٌ سُني
الزوج/الزوجة خمرة
الأولاد محمد الراضي بالله إبراهيم المتقي لله إسحاق الفضل المطيع لله أحمد علي موسى هارون عبد الواحد أبو موسى أبو أحمد العباس إسماعيل أبو اسماعيل أبو عيسى
الأب أحمد المعتضد بالله
الأم السَّيدة شغب
منصب
الخليفة العبَّاسي الثَّامن عشر
الحياة العملية
معلومات عامة
الفترة 24 سنة 908 - 932
(295 - 320 هـ)
التتويج 908 (295 هـ)
عليُّ المُكتفي بالله
مُحمَّد القاهر بالله
السلالة بنو العبَّاس

أميرُ المُؤمنين وخليفةُ المُسلمين أبُو الفَضْل جَعْفَر المُقْتَدِر بالله بن أحمد المُعتضِد بن طلحة المُوفَّق بن جعفر المُتوكِّل بن مُحمَّد المُعتصم بن هارُون الرَّشيد العبَّاسيُّ الهاشِميُّ القُرشي (22 رمضان 282 - 28 شوال 320 هـ / 13 نوفمبر 895 - 1 نوفمبر 932 م)، المعرُوف اختصارًا باسم المُقتدر أو المُقتدر بالله، هو الخليفة الثَّامن عشر من خُلفاء بني العبَّاس. تولَّى الخلافة بعد أن عهد إليه أخيه عليُّ المُكتفي بالله في 13 ذو القعدة 295 هـ / 14 أغسطس 908 م وكان عمره ثلاثة عشر سنة، ليكون أصغر من تولى الخلافة في التاريخ. استمر المُقتدر خليفةً حتى قُتل في المعركة ضد مُؤنس المُظفَّر المُتنفذ الكبير في الدَّولة العبَّاسيَّة، وذلك في 20 شوَّال 320 هـ / 1 نوفمبر 932 م.

نشأته[عدل]

نسبه[عدل]

هو جعفر المُقتدر بالله بن أحمد المُعتضد بالله بن طلحة المُوفَّق بالله بن جعفر المُتوكِّل على الله بن مُحمَّد المُعتصم بالله بن هارُون الرَّشيد بن مُحمَّد المهدي بن عبد الله المنصُور بن مُحمَّد بن عليُّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالِب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

أمه هي السَّيدة شغب، رُوميَّة الأصل، كانت أم ولد وإحدى جواري المُعتضد.[1]

طفولته[عدل]

ولد الأمير جعفر في يوم الجمعة، 22 رمضان 282 هـ / 13 نوفمبر 895 م، وقيل في 8 رمضان.[2] وذلك في خلافة أبيه أحمد المُعتضد، والتي شهدت البلاد في خلافته انتعاشًا مُتزايدًا واستقرارًا عاليًا ورثها من والده الأمير وليُّ العهد المُوفَّق بالله، والذي كان الآمر النَّاهي في عهد أخيه الخليفة أحمد المُعتمد، بعد أن تمزّقت البلاد وضاعت سُلطة الخُلفاء على اثر مقتل المُتوكل.[3][4][5] وعلى الرُّغم من صغر سن جعفر، فقد أرسله والده الخليفة مع القائد بدر الكبير لمُحاربة وصيف التُّركي، أحد الإنقلابيين في فوضى سامرَّاء. عاش الأمير جعفر في كنف والده حتى تُوفي في 22 ربيع الأوَّل 289 هـ / 5 أبريل 902 م، وكان جعفر في السَّابعة من عمره.[6]

تعليمه[عدل]

لم يتوفر لجعفر الوقت الكافي للتعلُّم على يدي أبيه المُعتضد، وكان قد التحق بالمكتب (مركز تعليم للمرحلة الأوليَّة لأولاد الخُلفاء)، إلا أن «غاية همه أن يُصرف من المكتب»، حسب تعبير الوزير ابن الفُرات، ومع ذلك، فقد منعت عنه والدته السَّيدة شغب قراءة الكُتُب العلميَّة والتثقيفيَّة لإبقائه تحت هيمنتها وتكون سياسة الدولة بيديها.[7] وبسبب ذلك، ترد بعض الإشارات من العاملين في قصر الخلافة إلى أن جعفر كانت ثقافته محدودة، حيث يقول نصر الحاجب: «بأنه لا قرأ السير، ولا عرف الأخبار»، إلا أن جعفر اشتهر بحسن الأدب والخُلُق، وكان فطنًا منذ صغره.[8]

قبل وصوله للخلافة[عدل]

خلفية الأحداث[عدل]

كانت الخِلافة العبَّاسيَّة قد وصلت إلى عصرها الذَّهبي في عهد هارُون الرَّشيد، والمأمُون، وقد استمر الأحوال في أمور الطُّب والعِلم، إلا أن الحالة السياسيَّة في البلاد قد اختلفت كثيرًا لاحقًا، فقد استكثر المُعتصم بالله من الأتراك في جيشه، وأسقط أسماء العرب والفُرس من ديوان الجُند، وبعد تولي ابنه الواثق بالله للخلافة، زاد نفوذهم وأصبحوا في مرتبةٍ عالية. وبعد وفاة الأخير، بايع الوُزراء والفُقهاء وكبار القادة الأتراك المُتوكل على الله، حاول الأخير كبح جماحهم وتمكن من قتل أحد قُوَّادهم، إلا أنهم تمكنوا من التآمر عليه والتحالف مع ابنه المُنتصر بالله، فقتلوا المُتوكل في سنة 256 هـ / 861 م لتقع البلاد في سلسلة من الاضطرابات والضعف عرفت بمُسمى فوضى سامرَّاء، والتي أدت لمقتل أربعة من الخُلفاء وآخرهم المُهتدي بالله في سنة 256 هـ / 870 م.[9]

تولَّى المُعتمد على الله الخلافة بعد المُهتدي، إلا أنه لم يكُن له للخلافة إلا اسمها، فقد كان أخيه أبُو أحمد طلحة بن المُتوكِّل والمعرُوف باسم المُوفَّق بالله (جد المُقتدر)، قائدًا للجيش والأقاليم العبَّاسيَّة، كما تمكن من فرض السُّلطة، واحتواء الأتراك الذين أثاروا الاضطراب طوال عشرة أعوام، وأنهى ثورة الزَّنج الخطيرة بعد 14 عامًا على انتفاضتها الدمويَّة، وأوقف تمدُّد الصَّفاريين نحو العاصمة بغداد وكبَّدهم هزيمة كبيرة في معركة دير العاقول 262 هـ / 876 م، فانتعشت الخلافة، واستأنفت نهضتها في عهده بفضل المُوفَّق بالله، وجهود الخلفاء السَّابقين الذين ذهبوا ضحيَّة الفوضى.[10][11] وعلى الرُّغم من أن المُوفَّق بالله لم يتولَّى الخلافة، إلا أن ابنه أحمد المعتضد بالله تولَّى الخلافة بعد عمِّه المُعتمد في سنة 279 هـ / 902 م، والذي استمرَّت البلاد في تحقيق الازدهار واستتباب الأمن في عهده حتى توفي في 289 هـ / 902 م بعد أن أوصى لابنه عليُّ المُكتفي بالله.[12]

كان المكتفي بالله أكثر مرونة ولينًا من والده، وكان محبوبًا لسماحته، فهدم سجون والده واستبدلها بالمساجد، وابتلي بعدد كبير من الأعداء الذي واجههم بكل شجاعة،[13] ولذلك انتكست البلاد بعض الشيء بعد انتعاشها واستقرارها في عهد عمه المُعتمد وأبيه المُعتضد، فقد ظهرت المُنافسات بين أصحاب النُّفوذ في الدولة، وكانت المكائد والأوضاع السيئة تزداد في دار الخلافة.[14] ومن ذلك أن ظهر القرامطة الإسماعيليين، فأفسدوا في الشَّام، ما جعل المُكتفي يسير على رأس جيشٍ حتى نزل الرَّقَّة، ومن ثُمَّ وجه مُحمَّد بن سليمان الكاتب إلى حماة، فهُزم القرامطة بقيادة أبي الشَّامة في معركة حماة سنة 291 هـ / 903 م.[15] كما سيَّر المُكتفي بعد سنة من هذا الحدث، مُحمَّد بن سُليمان الكاتب على رأس جيشٍ كبير ليتمكن من إعادة ضم بلاد الشَّام، ومصر وإنهاء حكم الطُّولونيين بحلول شهر صفر 292 هـ / ديسمبر 904 م، لتعود مصر والشَّام جزءًا من الخلافة العبَّاسيَّة.[16][17]

ترشيحه للخلافة ووفاة المُكتفي[عدل]

حينما ظهر المرض على الخليفة المُكتفي بالله، وثقل عليه ذلك، بدأ الوزير العبَّاس بن الحسن يُفكر بمن يصلح للخلافة من بني العبَّاس، وذلك لصغر جميع أبناء المُكتفي، فرأى أن يستشير كُتاب الدواوين، ومنهم مُحمَّد بن داوُد بن الجرَّاح، وعليُّ بن عيسى بن الجرَّاح (وهُما أبناء عُموم)، وعليُّ بن مُحمَّد بن الفُرات والمعرُوف أكثر باسم ابن الفُرات، وطلب منهم أن يعرضوا عليه من هم أهل للخلافة، فاقترح ابن داوُد اسم عبد الله بن المعتز بالله، وكان مشهورًا برجاحة العقل والأدب والرَّأي، ووافقه في ذلك ابن عمه. إلا أن ابن الفُرات، وكان رجلًا حاذقًا وفطنًا، كان لهُ رأيٌ آخر عنهما، فنصحه بتعيين شخص لا يكون بخيلًأ فيضيق على الناس أرزاقهم، أو طماعًا فيُصادر أموالهم وأملاكهم، ولا قليل الدين فلا يخاف العقوبة والآثام، ولا يولي من يهتم للناس وكثير الاهتمام بمصالحهم، فقال الوزير: «صدقت ونصحت، فبمن تشير؟» فأجاب ابن الفُرات بتسمية جعفر بن المُعتضد، إلا أن الوزير العبَّاس تغيرت ملامحه وأجاب بحدة قائلًا: «ويحك! هو صبي!»، فأكملها ابن الفُرات عنه قائلًا: «إلا أنه ابن المُعتضد، ولم نأت برجُل كامل يُباشر الأمور بنفسه، غير مُحتاج إلينا»، وبعد أن كانت حجة أبناء الجرَّاح ضعيفة، مالَ الوزير إلى كلام ابن الفُرات، ليُضاف ذلك إلى وصية المُكتفي بناءً على إشارة الوزير،[2][18] بعد التأكيد له بأن جعفر قد بلغ الحُلم.[5] وقيل بأنه لم يبلُغ.[19] تُوفي الخليفة المُكتفي بالله في 12 ذو القعدة 295 هـ / 13 أغسطس 908 م، وذلك عن عمرٍ ناهز الواحد والثلاثين عامًا بعد أن حكم قرابة ست سنوات وستة أشهر.[20][21]

خلافته[عدل]

بيعته للخلافة ومحاولات خلعه[عدل]

بعد أن اتَّفق المسؤولين المُتنفذين بقيادة الوزير العبَّاس بن الحسن على اختيار الأمير الفتى جعفر خلفًا لأخيه عليُّ المُكتفي بالله، بُويع جعفر بن أحمد المُعتضد بالله خليفةً وأميرًا للمُؤمنين في 13 ذو القعدة 295 هـ / 14 أغسطس 908 م، ولُقِّب المُقتدر بالله وكان عمره آنذاك ثلاثة عشرة سنة وشهرٍ واحد و21 يومًا، ليكون أصغر من تولَّى الخلافة في التَّاريخ.[5][22] وكان لاختيار المُقتدر مطلبًا من الجيش نفسه، فقد حرص المُعتضد والمُكتفي على أن يكون قائد الجيش تحت السَّيطرة الكاملة لهما، حيث أن ذرية المُعتضد كانت من أكثر العوائل تأثيرًا ونفوذًا داخل الأسرة العبَّاسيَّة بحلول ذلك الوقت، وكانت تستمد الأسرة قُوتها من الغُلمان الداريَّة الذين وصل عددهم نحو عشرين ألفًا في عهد المُكتفي، وكانوا حريصين كُل الحرص على مُلازمة دار الخلافة وحماية الخليفة، بالإضافة إلى المماليك الحجريَّة والرجالة المصافية.[23]

استهلَّ المُقتدر حُكمه بإطلاق يد الوزير العبَّاس بن الحسن على بيت المال من حق البيعة، وكان بها خمسة عشر ألف ألف دينار، إلا أنه مع مرور الأيام، بدأ الوزير يستصغر من شأن المُقتدر وعُمره، فقد كثر كلام النَّاس على اختياره بالرُّغم من صغر سنه، فقرر الوزير أن يخلع بيعة المُقتدر لصالح أبُو عبد الله مُحمَّد بن أحمد المُعتمد على الله، وكان عاقلًا حسن المذهب، كما أنه انتظر والي خُراسان ليستقوي به على نُفوذ غلمان المُعتضد في مسألة ترشيح ابن المُعتمد للخلافة، إلا أن ابن المُعتمد فُلج في أحد المجالس نتيجة نقاشات حادَّة مع ابن عمْرُويه حول ضيعة مشتركة بينهما، فأغلظ ابن عمرويه في القول، فغضب ابن المُعتمد غضبًا شديدًا وكظمه وأدت لوفاته.[2] شعر الوزير العبَّاس بالمسؤولية أكثر وبضرورة تصحيح المسار، وعزم على بيعة أبُو الحسين، وهو من ذرية جعفر المُتوكل على الله، إلا أنه تُوفي بعد خمسة أيام دون ذكر الأسباب، لتتم بيعة الخليفة المُقتدر في الأشهر الأولى لحكمه بسلاسة.[2][24]

خلع المُقتدر الأوَّل وبيعة ابن المُعتز للخلافة[عدل]

ظهور أنصار ابن المُعتز[عدل]

لم يكن أنصار عبد الله بن المعتز بالله صامتين إزاء هذه التطوُّرات الخطيرة التي نجمت عن اختيار فتى حدث السن لقيادة الأمة في مقابل أن الحكم الحقيقي سيكون بيد الوزير والمُتنفذين، كما أن الوزير العبَّاس بن الحسن كان مُدركًا لحجم نفوذ عبد الله بن المُعتز وأراد أمام المحاولات الفاشلة، في أن يستميله ويبقى في السُّلطة إن تحققت له الخلافة، فقد تحدث سابقًا حول قضيَّة ابن المُعتز قائلًا: «وهو (أي عبد الله بن المُعتز) يعتقد أن الأمر (أي الخلافة) كان له ولأبيه وجده، وأنه مظلوم منذ قتل أبوه، مهضومٌ مقصودٌ مضغوط».[25] وبعد مضي أربعة شهور على خلافة المُقتدر، أجمع الوزير العبَّاس بن الحسن ومعه جُل القضاة والكُتَّاب على خلع المُقتدر، والبيعة لابن المُعتز، فأرسلوا إليه مُوضحين هدفهم بتسليمه السُّلطة، وبالفعل، فقد أجابهم ابن المُعتز لطلبهم، وشرط عليهم أن تكون بيعته سلميَّة، أي لا يحصل فيه إراقة دماء أو حرب، فأخبروه أنه ليس له مُنازع حتى يُحاربه أحد.[26]

الانقلاب على المُقتدر وبيعة ابن المُعتز[عدل]

في يوم السَّبت المُوافق لـ 19 ربيع الثَّاني 296 هـ / 16 يناير 909 م، خُلع المُقتدر عن الخلافة في انقلابٍ سلمي سريع بقيادة الحسين بن حمدان ومعه بعض القادة الأتراك مثل بدر الأعجمي ووصيف بن صوارتكين، وبُويع ابن المُعتز خليفةً للمُسلمين، ولُقب بالمُرتضي بالله.[27] وبسبب تردد الوزير العبَّاس بن الحسن في تنفيذ الانقلاب لكونه مُسيطر على الأمور ولا داعي لخلع المُقتدر، قُتل مع فاتك المُعتضدي في اليوم الثاني من قبل أنصار ابن المُعتز. ومع ذلك، فإن انقلاب ابن المُعتز لم يدم إلا يومًا واحدًا فقط، فقد أثارت هذه الخطوة احتجاج قُوات القصر والمكونة من الغُلمان الدُريَّة والحجريَّة والمصافيَّة، والذين تحركوا بدافع ولائهم لأبناء المُعتضد، وحرصهم على امتيازاتهم، والذي قاد تحرُّكهم المُقتدر بنفسه، حيث خرج معهم بسلاحه ووزع عليهم الأسلحة، فلما رأى ذلك ابن المُعتز، هاله كثرتهم واضطَّربت قُواته، وقد زاد عليه أن الحُسين بن حمدان لاذ بالهروب نحو الموصل، فقرر ابن المُعتز الخروج نحو الصَّحراء، ولم يلحقه أحد ممن بايعه من الجُند، فقد استتر أكثر من بايعه، ووقعت الاضطرابات والفوضى في بغداد في ذلك اليوم العصيب.[26][28]

عودة المُقتدر للخلافة وضبط الأوضاع[عدل]

قام المُقتدر بإعادة ضبط الأوضاع بنفسه وباستشارة المُقربين منه بعد هروب ابن المُعتز، فسلَّم إدارة الشُّرطة لمُؤنس الخازن (وهو غير مؤنس الخادم)، كما قبض على وصيف بن صوارتكين وغيره وأعدمهم لخيانتهم، كما قبض على عدد من القُضاء الذين بايعوا ابن المُعتز، إلا أنه أطلق سراحهم ما عدا القاضي المُثنى أحمد بن يعقوب، لأنه حينما أشار عليه الجُند بمُبايعة المُقتدر، رفض وقال: «لا أبايع صبيًا»، وأعدم. ويُعلق العالم والمُؤرخ ابن الأثير الجزري على غرابة هذا الانقلاب قائلًا: «وكان في هذه الحادثة عجائب منها: أن الناس كلهم أجمعوا على خلع المُقتدر والبيعة لابن المُعتز، فلم يتم ذلك، بل كان على العكس من إرادتهم، وكان أمر الله مفعولًا». وفي سبيل ملئ منصب الوزارة بعد مقتل العبَّاس بن الحسن، أرسل المُقتدر إلى ابن الفُرات يطلب مجيئه، والذي اختفى في أثناء المعركة الدمويَّة في بغداد ولم يدعم حركة ابن المُعتز، فحفظ له المُقتدر ذلك وقلَّدهُ الوزارة وخلع عليه، والذي بسط في البلاد العدل والإحسان، كما أخرج الأعطيات حتى فرَّق مُعظم ما كان في بُيوت الأموال. وفي التدابير الأخيرة لنهاية حركة ابن المُعتز، فقد قبضت الشُّرطة عليه في النهاية، فعُذب حتى قُتل وسُلم إلى أهله، كما أُعدم مُحمَّد بن داوُد بن الجرَّاح.[29][30] إلا أنه من جانبٍ آخر، عفى المُقتدر عن الحُسين بن حمدان بعد أن شفَّع فيه الوزير ابن الفُرات، وشمل عفوه إبراهيم بن كَيْغَلَغ، وابن عمرَويه صاحب الشُّرطة سابقًا.[29] ويُعلق المُؤرخ المصري مُحمَّد الخضري بك على نهاية الحادثة قائلًا: «وانتهت بذلك هذه الفتنة التي بها ابتدأ ضعف الخِلافة وسقوط هيبتها، واشتد الانتكاس في عهد المُقتدر حتى لم يعُد للخلافة أدنى سُلطان ولا احترام، فإن المُقتدر حين ولي كان شابًا غرًا لا يعرف من السياسة ولا من الشجاعة شيئًا».[30]

ثورات الأكراد[عدل]

ثار الأكراد لأسبابٍ عديدة في نواحي الموصل منذ أيَّام إمارة بني حمدان في خلافة عليُّ المُكتفي بالله، وذلك جنبًا إلى جنب مع ثورات عربيَّة وخوارجيَّة قريبة تظهر من حينٍ لآخر في ديار ربيعة.[31] حيث أغار أكراد الهذابانيَّة بقيادة مُحمَّد بن بلال على نينوى وغنموا الكثير من أهاليها في عهد المُكتفي سنة 293 هـ / 906 م، فسار أبُو الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبيُّ إليهم، إلا أنه وبعد معارك عديدة طلب ابن بلال الأمان من ابن حمدان، وأمنت البلاد.[32] وبعد تولي المُقتدر للخلافة، ثار الأكراد من نواحي الموصل من جديد في سنة ، فأُرسل إليهم الحسن بن أحمد والذي ظفر بهم ونهب أموالهم، إلا أن زعيم الأكراد قد لاذ إلى رُؤوس الجبال ولم يتمكن من اللَّحاق به لوعورة المنطقة.[2] إلا أنه بعد سنوات، ثار أكراد المارانيَّة في الموصل، فأرسل المُقتدر إليهم مُحمَّد بن نصر الحاجب في جُمادى الأولى سنة 309 هـ / أكتوبر 921 م، فقتل وأسر وأرسل إلى بغداد قرابة ثمانين أسيرًا من زُعماء المارانيَّة.[33]

زحف الصَّفَّاريين على فارس[عدل]

لم تكُن العلاقة جيدة بين الخلافة العبَّاسيَّة ودولة الصَّفَّاريين في بلاد سجستان، فقد خلع آل الصَّفَّار خُلفاء بني العبَّاس عن طاعتهم، وكانوا يحكمون أجزاءً واسعة من خُراسان وما جاورها في بداية عهدهم، إلا أنهم تعرَّضوا لهزائم عديدة، ومنها هزيمة ثقيلة على يد الأمير مُحمَّد طلحة (جد المُقتدر) والمُلقَّب بالمُوفَّق بالله في معركة دير العاقول سنة 262 هـ / 875 م والتي أوقف زحفهم نحو العراق.[34] وفي خلافة المُقتدر، أراد اللَّيث بن عليُّ الصَّفَّار استغلال الأحداث، فشنَّ هجومًا نحو فارس واستولى عليها في سنة 297 هـ / 910 م، وحينما بلغ ذلك المُقتدر، جهَّز جيشًا بقيادة أهم قادته مُؤنس المُظفَّر وسيَّره إلى فارس معونةً لواليها سُبكرى.[35] قرر اللَّيث مُباغتتهم واستعد للتوجه نحوهم في أرَّجان، إلا أن أنباء مسير الحُسين بن حمدان التَّغلُبي لمُساندة جيش مُؤنس جعلته في مأزق، فسيَّر أخاه على رأس بعض جيشه نحو شيراز ليُحافظ عليها، وسار اللَّيث على رأس جنده مع رجُل دليلٍ ليدلَّهُ على الطريق، إلا أن ذلك قد أتعب جيشه، فهلك مُعظم دواب الجيش، ولقي اللَّيث مشقَّة عظيمة مع جنده، فأمر بقتل الدَّليل، وعدل عن الطريق المقصود، حتى وجد مُعسكرًا للجيش، فظنَّه وأصحابه أنه عسكر أخيه إلى شيراز، فكبَّروا سُعداء، إلا أن المُعسكر كان في الحقيقة عبَّاسيًا وبقيادة مُؤنس وسُبكرى وجندهم، فثاروا على جند الصَّفَّار، واقتتل الطرفان اقتتالًا شديدًا حتى انهزم اللَّيث وأُخذ أسيرًا.[36]

حيلة مُؤنس واستعادة فارس[عدل]

ومع تحقيق الانتصار، لم يكُن مُؤنسًا وأصحابه يسيرون باتجاه مُواطئ للخليفة، كما لم يريد أن يُنسب الانتصار لغيره، فعمل الحيلة على سُبكرى وجعله يخرج إلى شيراز، فلما علم الخليفة المُقتدر ووزيره ابن الفُرات بذلك، كتب الأخير إلى مُؤنس يأمره بضرورة القبض على سُبكرى، ويحمله مع اللَّيث إلى بغداد. طلب سُبكرى من مُؤنس خلال رسالته، أن يتوسَّط لحاله مع الخليفة، ووعده بإرسال الأموال إليه، فلم يكترث له، وشعر ابن الفُرات أو علم أن هنالك حيلة يقوم بها مُؤنس، فقرر إرسال القائد مُحمَّد بن جعفر الفريابي على رأس جيشٍ وأمرهم بفتح فارس وإعادتها لدولة الخلافة، وكتب إلى مُؤنس أن يعود باللَّيث وحده وأن ينسى مسألة سُبكرى، ليعود إلى بغداد. تمكَّن الفريابي من إيقاع سُبكرى على باب شيراز، وتبعه إلى بم التي لاذ إليها، فحاصره الفريابي حتى خرج إليه سُبكرى من جديد وتمكن الفريابي من هزيمته، وفتح فارس، وذلك في سنة 298 هـ / أواخر سنة 910 م.[36]

ظهور فتنة القرامطة[عدل]

تدمير البصرة ونهبها[عدل]

ظهرت حركة شيعيَّة إسماعيليَّة مُتشددة في بلاد البحرين يقودها أبُو سعيد الحسن بن بهرام الجنَّابي - فارسيُّ الأصل -، والذي تمكن من الاستيلاء بالقُوَّة العنيفة على هجر والأحساء والقُطيف، فلما بلغ ذلك المُقتدر أرسل له كتابًا لينًا ليُطلق سراح الأسرى المُسلمين الذين أخذهم في معاركه، وناظره في عقيدته وأظهر له الدليل على فساد مذهبه، إلا أن رُسُل المُقتدر جاءهم الخبر بمقتل أبُو سعيد في الحمَّام من قبل أحد الخُدام الصَّقالبة في عام 301 هـ / 913 م، وحينما جاؤوا إلى ابنه الذي يبلغ من العمر 7 سنوات، قد تولى شؤون الطَّائفة من بعد أبيه، ويُدعى أبُو طاهر الجنَّابي، حيث أكرم الرُّسُل وأطلق الأسرى.[37] وبعد مرور السنوات، كبر أبُو طاهر، ووضع نُصب عينيه على جنوب العراق، حيث كانت تحت سُلطة الخلافة العبَّاسيَّة والتي تُعاني من الضَّعف وتردي الأحوال الاقتصاديَّة، فشن هجومًا مكونًا من ألف وسبعمائة من القرامطة بقيادته على مدينة البصرة من 20 ربيع الآخر حتى 8 جمادى الأولى في سنة 311 هـ / 11 - 28 أغسطس 923 م، فدخلها وقتل حاميتها ووضع السَّيف على أهلها طوال سبعة عشر يومًا، وحمل منها ما يقدر عليه من المال والأمتعة والجِمال والنساء والصبيان ثم عاد إلى بلده.[38]

الهجوم على الحجاج ونهب الكوفة[عدل]

وفي ذو الحجَّة سنة 311 هـ / مارس 924 م، شنَّ القرامطة هجومًا على قافلة للحُجَّاج كانت في طريق عودتها من مكَّة نحو العراق في منطقة الهبير، فقُتل العديد من أهالي بغداد الحجَّاج، وأسر أشخاص بارزون ومنهم أبُو الهيجاء بن حمدان وعمُّ والدة المُقتدر أحمد بن بدر. وقد أثار هذا الفعل غضب أهالي بغداد وحدثت بعض الاضطرابات، وبدأت الإتهامات ضد الوزير ابن الفرات بسبب تشيُّعه، إلا أنه حلف ما كاتب القُرمطي ولا هاداه، والمُقتدر مُعرضٌ عنه، وكان ذلك من أسباب نكبة الوزير لاحقًا. وحينما وردت الأنباء بنية القرامطة التوجه نحو مدينة الكوفة، اضطَّر الخليفة المُقتدر إلى أن يخرج على رأس جيشٍ كثيف ومعه ولداه المُظفَّر ومُحمَّد، بالإضافة إلى أهم قادته مؤنس الخادم، وحينما ورد ذلك الخبر على القرامطة، عادوا من حيث أتوا، فقد كان أسلوبهم العسكري يقوم على الهجوم السريع دون الاصطدام بقوات نظاميَّة.[39]

قرر أبو طاهر التقرُّب من الخليفة بإطلاق سراح من عنده من أسرى الحُجَّاج، وطلب من الخليفة تقليده ولاية البصرة والأهواز، فلم يجبه المُقتدر لطلبه لبشاعة سيرته، فسار القرامطة من عاصمتهم هجر نحو الكوفة في سنة 312 هـ / 925 م، وتغلبوا على الحامية العبَّاسيَّة والمُكونة من ألف مُقاتل من بني شيبان بقيادة واليها جعفر بن ورقاء الشيباني. أقام القرامطة ستة أيام في الكوفة وحملوا من الأموال والثياب وغيره وعادوا إلى هجر.[40] وكرروا نيتهم الهجوم على الكوفة، فزحفوا نحوها في أواخر رمضان سنة 315 هـ / منتصف نوفمبر 927 م، وسرعان ما أمر الخليفة المُقتدر، يُوسف بن أبي السَّاج بالتوجه إليها لحمايتها، وعلى الرُّغم من قلة عدد القرامطة مُقابل القُوات العبَّاسيَّة، إلا أنهم تمكنوا من هزيمتهم وأسر ابن أبي السَّاج وأعدم في مُعسكر أبُو طاهر، كما دارت معركة في سور مدينة هيت بعد أن سير الخليفة جيشًا نحوها، وقد حقق العبَّاسيين أول انتصارٍ لهم على القرامطة فيها، ومع ذلك، حزن المُقتدر لمقتل ابن أبي السَّاج والجُند الذين معه.[41]

الهجوم على مكة واقتلاع الحجر الأسود[عدل]

استمر القرامطة بالإغارة على قوافل الحُجَّاج بين الفترة والثانية،[42] كما شنوا هجومات متواصلة بهدف النهب نحو الأنبار، والرَّقَّة، ورأس عين في سنة 316 هـ / 928 م وكان ذلك يترافق مع حملات عبَّاسيَّة مُتأخرة بعض الأحيان،[43] إلا أن أكبرها ما كان في المدينة الإسلاميَّة المُقدَّسة، مكَّة المُكرَّمة، والتي ظهرت الشائعات بين الفترة والأخرى عن نيَّة أبُو طاهر الجنَّابي التوجه نحو المدينة المُقدسة مكَّة المُكرَّمة، خبر ذلك أهلها نقلوا نساؤهم وأموالهم إلى الطائف وغيره خوفًا من أخبار وشائعات قدومه بسبب أخباره المتواصلة في الهجوم على مُدُن في سواد العراق.[44] وبعد فترة الخلع الثانية للمُقتدر، سار القرامطة مُتوجهين نحو مكَّة بقيادة أبُو طاهر، وبعد أن وصل في يوم التروية الثَّامن من ذو الحجَّة سنة 317 هـ / 11 يناير 930 م، نهب القرامطة أموال الحُجَّاج، وقتلوهم في ساحة المسجد الحرام وفي الكعبة نفسها، واقتلعوا باب البيت، كما طُرح القتلى في بئر زمزم، ومنها اقتلاع الحجر الأسود وأخذوه معهم إلى العاصمة هجر، وكان لهذا الهجوم صدمةً وحزن في العالم الإسلامي، وقد ساءت صورة القرامطة وكانت من أسباب تضعضعها لاحقًا. وحينما بلغ ذلك أوَّلُ الخُلفاء الفاطميين عبيد الله المهدي صاحب إفريقيَّة، كتب إلى أبُو طاهر يلومه ويلعنه واتهمه بإلصاق تهمة الكفر والإلحاد على الدَّعوة وهدده بالتبرُّء منه إن لم يُعيد الحجر الأسود، ليُعيد القرامطة الحجر الأسود بعد نحو اثنين وعشرين سنة، أي في سنة 339 هـ / 950 م، في فترة السَّيطرة البُويهيَّة على الخلافة العبَّاسيَّة، وفي زمن خلافة الفضل المُطيع بن جعفر المُقتدر.[45][46]

ظهور الحُسين بن منصُور الحلَّاج[عدل]

خلفيته ونشأته[عدل]

ولد أبُو مُغيث الحُسين بن منصُور الحلَّاج في إحدى بلدات كورة إصطخر من ولاية فارس في مطلع عام 244 هـ / 858 م، وكان جده مجوسيًا من أصلٍ فارسي، ويُقال أنه من ذرية أبو أيوب الأنصاري.[47] كان والده يعمل في النَّسيج ولهذا سُمي حلَّاجًا، وقيل أنه كان يُكاشف أهل الأهواز بما في قلوبهم، فسمُّوه حلَّاج الأسرار، وبه بات يُعرف.[48] منذ صغره ارتحل الحلَّاج نتيجة ضائقة والده الماديَّة إلى واسط للعمل بها، وكانت مركز هامًا حيث يُقيم بها الأشاعرة والحنابلة وأهل الحديث وغيرهم، فكانت مُلتقى للبحث والدرس في بعض ساحاتها، وعلى هذا الأساس، نشأ الحلَّاج في هذا الجو، وحفظ القُرآن في العاشرة من عمره، وتعمَّق في فهم معانيه، وأقبل على تعلُّم الفقه والتوحيد والتفسير وغيره ومنها الحكمة والتصوُّف والزُّهد والنهل من مُختلف العُلوم.[49]

وبحلول العشرين من عمره، أعجب الحلَّاج بالإمام الصُّوفي سهل بن عبد الله التَّستري وتعلَّم منه، ثم ارتحل إلى البصرة وزادت علاقته بالصُّوفيَّة أكثر، كما أن له نشاطًا في مكة، إلا أن شيخ الصُّوفيَّة فيها، عبد الله المغربي، ظنَّ أن به خطبًا وأنه يتصبَّر على قضاء الله حتى يبتليه بما يعجز عنه صبره، وذلك بعد أن رآه صاعدًا جبل أبي قبيس ووقوف الحلَّاج حافيًا على صخرة، مكشوف الرَّأس والعرق يتصبَّب منه.[50][51] ويسرد المُؤرخ المُسلم ابن الأثير الجزري ابتداء أمره قائلًا: «وكان ابتداء حاله أنه كان يُظهر الزهد والتصوُّف، ويُظهر الكرامات، ويخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، ويمد يده إلى الهواء فيعيدها مملوءة دراهم عليها مكتوب: قل هو الله أحد، ويُسميها دراهم القدرة، ويخبر الناس بما أكلوه، وما صنعوه في بيوتهم، ويتكلم بما في ضمائرهم، فافتتن به خلقٌ كثير واعتقدوا فيه الحلول»، فاختلف الناس في حاله، فمنهم من قال أنه وليٌ من أولياء الله وحاز على كرامات الصَّالحين، ومنهم من قال أنه مشعوذ كذَّاب، إلى الأقوال أنه ساحرٌ ومُتكهن وأن الجن تُطيعه فتأتيه بالفاكهة في غير أوانها، حتى ادَّعى بعضهم فيه الرُّبوبيَّة.[51]

اصطدام الحلَّاج بالبلاط العبَّاسي[عدل]

ارتحل الحلَّاج إلى بغداد عائدًا من مكَّة والتقى شيخ الصُّوفيَّة الجنيد البغدادي، وما زال يتنقَّل ويعظ، حتى وصلت أخباره إلى الوزير في تلك الفترة حامد بن العبَّاس.[51] فقد نُقل إلى مسامع الوزير أن الحلَّاج يُحيي الموتى، وأن الجن يخدمونه، وأنهم يُحضرون إليه ما يُحب ويشتهي، ومن شدة تأثيره أن نصر الحاجب مال إليه مع جماعة من حاشية الخليفة المُقتدر، ما جعل الوزير حامد يطلب من الخليفة المُقتدر أن يأمر باستدعاء الحلَّاج لمُحاججته والنظر في أمره الغريب، فاستدعي ومعه إنسان يُعرف بالشَّمريّ، فقرَّره الخليفة على ما جرى من أمر الحلَّاج، ولم ينكر الشَّمريُّ ذلك وقال أنه بالإضافة له وغيره، فهم يُؤمنون بأن الحلَّاج إله، وأنه يُحيي الموتى فعلًا، وحينما قابلوا الحلَّاج أنكر ذلك وقال: «أعوذ بالله أن أدعي الرُّبوبيَّة أو النُّبُوَّة، وإنما أنا رجل أعبد الله عزَّ وجل!»، واستدعي جماعة من وجود القُضاة مثل أبُو جعفر بن البهلول وأبُو عمرو وجمعٌ من الفُقهاء والشُّهود، وبعد استفتائهم في أمره، رفضوا الحُكم عليه بغير ما ادَّعى وأنه لا يجوز قتله، كما لا يجوز قبول أقوال الشَّمريُّ وغيره إلا ببينة وإقرار.[51]

إباحة دم الحلَّاج ونصب رأسه في بغداد[عدل]

لم تُثنى عزيمة الوزير حامد بن العبَّاس في كشف أمر الحلَّاج، وقرر أن يجدَّ ويجتهد في أمره، ودارت الكثير من الأحداث، حتى رأى له حُكمًا وفتوى حول الحج وكان مُخالفًا للمعروف حسب الشَّريعة الإسلاميَّة، فطلب الوزير من القاضي أبُو عمرو أن يرى ذلك، فلما رآه استُدعي الحلَّاج وناظره في ذلك، وسأله عن مصدر علمه، فأجاب الحلَّاج أنه قرأها من كتاب الإخلاص للحسن البصري، فقال القاضي: «كذَّبت يا حلال الدَّم! قد سمعناه بمكَّة وليس فيه هذا»، وسُرعان ما تم القبض عليه، على الرُّغم من أن الحلَّاج كان يُردد انتمائه للإسلام وبمذهب السُّنَّة وأن دمه لا يُحل لهم. كتب الوزير إلى الخليفة يستأذنه في قتله، وأرسل فتاوي القُضاة بناءً على ما ظهر منه،[33] فدخل الحلَّاج مُقيدًا إلى الخليفة مرفوع الرأس، وحيَّاه بالإسلام وبدأ يحذر الخليفة وينذره ويطالبه بإصلاح الأوضاع حتى يرضى الله عنه، وأنه مُستسلمٌ لقضاء الله عليه ولا يعترض على حكم الخليفة ولا يلومه، إلا أن الخليفة أعاده إلى السجن مُؤقتًا.[52]

وفي يوم الثلاثاء 23 ذو القعدة سنة 309 هـ / 25 مارس 922 م، جُلد الحلَّاج نحو ألف سُوط أمام حشدٍ كبير من الناس،[53] ويُروى أنه لم يصدر عنه صوتًا وما فتر لسانه عن ذكر الله،[54][33] ثم قُطعت أعضاء جسده في اليوم الثاني،[55] ليلفظ أنفاسه الأخيرة وقُتل من أثر ذلك، ثم أحرق بالنار وأُلقي رماده في دجلة، حتى نُصب رأسه في بغداد.[33] كما تمت مُلاحقة أنصاره وتفتيش منازلهم، واستتر بعضهم مثل ابن حمَّاد، وكان من الموجود في كُتُب الحلَّاج إليهم وصايا عديدة منها أن يدعون الناس وما يأمرهم به حتى ينتقلوا إلى المرتبة والغاية القُصوى، وأن يُخاطب الدُعاة كُل قومٍ حسب عقولهم وفهمهم، ومدى إستجابتهم وانقيادهم، وكان بها الكثير من الكلمات المرموزة لا يعلمها إلا من كتبها ومن كُتبت إليه.[56]

الاصطدام الأوَّل مع مُؤنس المُظفَّر وخلع المُقتدر الثَّاني[عدل]

خلفية تاريخيَّة[عدل]

شكَّل الجيش العبَّاسي مركزًا للقوة والنُّفوذ لا يُمكن تجاهله في مُعالجة تاريخ الخلافة العبَّاسيَّة والتي بدأت مع نهاية عهد جعفر المتوكل على الله، وانتهت في السَّنوات الأخيرة من عهد أحمد المعتمد على الله ولدور أخيه الأمير المُوفَّق بالله، والتي عرفت بفوضى سامرَّاء. فقد تضاءل دور قادة الجيش العبَّاسي منذ أواخر عهد الخليفة المُعتمد، غير أنهم سرعان ما استعادوا مكانهم البارز من جديد في عهد أحمد المُعتضد بالله، والتي تمثلت بشخصيَّة بدر بن خير، والذي عرف باسم بدر المُعتضدي، حيث كان له نفوذ كبير بعد وفاة المُعتضد، وقد واجهه الخليفة عليُّ المُكتفي بالله وتخلَّص منه قائلًا: «الآن ذقت طعم الحياة ولذة الخلافة».[57] ومن جهةٍ أخرى، فقد صعد نجم القائد مؤنس الخادم والمعرُوف بمُؤنس المُظفَّر (وهو عبد يوناني)، حيث ازدادت مكانته في عهد الخليفة المُكتفي،[58] وأصبح واحدًا من الرجال القلائل الذين اشتركوا في رسم مسار الخلافة، وكان أحد ممن أراد تنصيب الخليفة جعفر المُقتدر بالله. وحينما حدث الإنقلاب الأوَّل بقيادة ابن المُعتز، كان مُؤنس المُظفَّر ومُؤنس الخازن وغريب الخال والحاشية من الأقليَّة التي دعمت المُقتدر وساندته. وبعد فشل الإنقلاب، كسب مؤنس المُظفَّر محبةً لدى المُقتدر، والذي ولَّاه قيادة الجيش في سنة 298 هـ / 910 م وفاءً لدوره وصنيعه.[59]

وقد كانت القوى الثلاث المُتمثلة بالخليفة ومعه والدته السَّيدة شغب، والوزير، وأمير الأمراء تتقاسم أو تتنازع فيما بينها النُّفوذ والسُّلطان في البلاد، إلا أنها تغيرت كثيرًا مع تغيُّر الوُزراء في العهد المُقتدري، فمرةً كانت العلاقة بين الوزير ابن الفُرات ومُؤنس المُظفَّر طيبة للغاية وبعيدة عن التزاحم في فترة ابن الفُرات الأولى،[60] إلا أن فترته الثانية لم تحظى بدعم مُؤنس، مما يعني أن محاولات الوزير إعادة التوازن بين السُّلطتين قد أصابها الإخفاق، مما يُؤكد على تزايد نُفوذ مُؤنس ورجاله بشكلٍ كبير. وبعد تقلُّد ابن الفُرات الوزارة للمرة الثالثة في أواخر ربيع الآخر سنة 311 هـ / أوائل أغسطس 923 م، أراد تصفية مُؤنس ورجال من المشهد، وعمل على إبعاده من بغداد، إلا أنه وبسبب هجمات القرامطة، طلب نصر الحاجب من الخليفة استدعاء مُؤنس، ليزداد ابن الفُرات ضعفًا في مواقفه وكثرة الاتهامات حوله إضافة لفشله في احتواء مسألة القرامطة والاضطرابات الحاصلة في العاصمة بغداد، مما تسبب في طرده والقبض عليه ويُعذب حتى الموت.[61]

الاصطدام الأوَّل مع مُؤنس المُظفَّر[عدل]

كان الخليفة المُقتدر قد ناهز الثَّلاثين من عمره في سنة 311 هـ / 923 م،[61] وأراد تبعًا لذلك أن يُمارس صلاحيَّاته كخليفة فعلي في البلاد، غير أن هذه المُهمة كانت صعبة للغاية بحلول ذلك الوقت، ولذلك لجأ المُقتدر في سنة 315 هـ / 927 م إلى إعمال الحيلة للتخلُّص من مُؤنس، حيث أمر بحفر جُبَّة في دار الشجرة حينما يُودع مُؤنس قبل الخروج ومُجاهدة الرُّوم، غير أن الخطة انكشفت في الوقت المناسب من قبل أحد خُدام المُقتدر، إلا أن المُقتدر حلف له على صفاء نيته، وودعه قبل سفره مع الجيش في 10 ربيع الآخر 315 هـ / 15 يونيو 927 م.[62]

بدأت المشكلة تتفجَّر بين الطرفين بعد حدوث مشكلة بين نازوك (أحد المُوالين لمُؤنس المُظفَّر) وبين هارون بن غريب بن الخال والمعرُوف بابن الخال (ابن خال الخليفة المُقتدر) في بغداد، ومع أن المُقتدر أخبر نازوك بأنه وابن الخال عزيزان عليه ولن يتدخل، إلا أنهم اقتتلوا لاحقًا وسقط العديد منهم قتلى، فأرسل المُقتدر إليهما ينكر اقتتالهما، فتوقفا وسكنت المشكلة، فشعر نازوك بتغيُّر الخليفة عليه، وبدأت الإشاعات في بغداد تحوم حول ترقي ابن الخال لمرتبة أمير الأمراء بدلًا من مُؤنس المُظفَّر، فعظم ذلك عند أصحاب الأخير، وكتبوا إليه وكان حينئذ مُقيمًا بالرَّقَّة، فجاء مُسرعًا ونزل في الشمَّاسيَّة في شمال العاصمة بغداد، ومع أن أبُو العبَّاس بن المُقتدر توجه إليه مع الوزير ابن مقلة قد أبلغاه سلام المُقتدر واستيحاشه له، إلا أن الثقة باتت شبه معدومة بين الطرفين، وازداد مُؤنس نفورًا من الخليفة بعد أن علم بندامة ابن الخال للمُقتدر، وبقيت الأحوال على هذه الأوضاع حتى انقضاء السنة.[63]

خلع المُقتدر للمرة الثَّانية[عدل]

علم الخليفة جعفر المُقتدر أن الأوضاع بينه وبين مُؤنس المُظفَّر المُقيم في الشَّمَّاسيَّة من نواحي بغداد الشماليَّة، قد وصلت إلى نهاية مسدودة، وأن الاصطدام العسكري بات وشيكًا بينهما، فجمع الخليفة كُلًا من يشعر بموالاته له، مثل ابن الخال، وأحمد بن كَيْغَلَغ وفرق الغُلمان الحجريَّة والرجَّالة المصافيَّة وغيرهم، وذهب لمُلاقاة جيش المُظفَّر في أوائل مُحرَّم سنة 317 هـ / أواخر فبراير 929 م، إلا أنه بحلول آخر النهار من ذلك اليوم، انفضَّ وتخلَّت مُعظم هذه القُوات عن الخليفة المُقتدر وانضمَّت إلى مُؤنس. ثم كتب مُؤنس إلى المُقتدر رقعة يذكر فيها أن الجيش عاتبٌ منكرٌ للسرف من قبل الخدم والحُرَم من الأموال والضياع، ولدخولهم في الرأي وتدبير شؤون البلاد، وطالبه "باسم هذه القوات" بإخراج ابن الخال من دار الخلافة. لم يجد المُقتدر إلا القبول لمطالب مُؤنس بعد الخيانات الكبيرة التي تعرَّض لها، فذكَّرهم بيعته في أعناقهم مرة بعد أخرى، وخوَّفهم عاقبة النكث، كما أمر ابن الخال بالخروج من بغداد، ومنحه ولاية الثُّغور الشَّاميَّة والجزريَّة، فخرج ابن الخال في 9 مُحرَّم / 23 فبراير، كما ذكَّر مُؤنس بإحسانه إليه وإلى الجيش، وحذرهم من الكُفر بإحسانه، والسعي في الشر والفتنة، خوفًا من حدوث تكرار لقصة فوضى سامراء.[64]

وأمام هذه التنازلات المُقتدريَّة بهدف تحقيق الأمان له ولذويه، دخل مُؤنس المُظفَّر وابن حمدان ونازوك ومعهم الجيش المُوالي له إلى بغداد، وتخوُّف أهالي المدينة من دخولهم، وبدأت الإشاعات تتحدث عن نية مُؤنس ومن معه بخلع الخليفة وتولية غيره، وبحلول 15 مُحرَّم / 1 مارس، دخل مُؤنس ومن معه دار الخليفة، بعد أن هرب المُظفَّر بن ياقوت، وسائر الحُجَّاب والخدم. ولم يكن في الدار سوى الخليفة المُقتدر. استهل مُؤنس حضوره بأن أمر بخلع المُقتدر، و أُحضر أخوه، مُحمَّد بن المُعتضد، فبايعه الحاضرون، ولقَّبوه القاهر بالله، وشهد بخلعه القاضي أبُو عمر على كراهية، وكان أنصار مُؤنس حاضرين، ومنهم ابن حمدان، الذي التفت إلى المُقتدر وقال له بلُطف: «يا سيدي يعزُّ علي أن أراك على هذه الحال، وقد كنت أخافها عليك، وأحذرها، وأنصح لك، وأحذرك عاقبة القُبول من الخدم، والنساء، فتؤثر أقوالهم على قولي، وكأني كنت أرى هذا، وبعد، فنحن عبيدك وخدمك»، فدمعت عينا ابن حمدان وعينا المُقتدر، وأودعوا كتاب الخلع عند القاضي أبُو عمر، فكتمه ولم يُظهر عليه أحدًا، والذي تولى لاحقًا قاضي القُضاة بعد أن عاد المُقتدر للخلافة للمرة الأخيرة.[64]

بعد أن استقرَّت الأمور للخليفة القاهر بالله شكليًا، أخرج مُؤنس المُظفَّر عليُّ بن عيسى بن الجرَّاح من السجن، وثبَّت ابن مقلة في الوزارة، وأضاف إلى نازوك تولي حجابة الخليفة، وكتب إلى ولايات الخلافة بذلك، فاستحكم المُظفَّر بجميع أركان الحُكم، ونُهبت دار الخليفة، كما تم قلع خيام الرجَّالة المصافيَّة من دار الخليفة، وأمر نازوك رجاله وأصحابه أن يقيموا مكانهم، فعظم ذلك عليهم، كما أجرى سياسات سيئة للدخول إلى دار الخليفة، فاضطربت الحجبة من ذلك.[65]

عودة المُقتدر للخلافة واحتواء انقلاب مُؤنس[عدل]

في يوم الإثنين، 17 مُحرَّم سنة 317 هـ / 3 مارس 929 م، امتلأت الممرات والمراحات وشاطئ دجلة من أهالي بغداد، كما حضرت القُوات المصافيَّة والمطرودة من قبل الحاجب نازوك، مُطالبين بحق البيعة، ورزق سنة، ولم يكن مُؤنس المُظفَّر حاضرًا آنذاك، فارتفعت الأصوات، وخشي نازوك حدوث اقتتال بينهم وبين أصحابه قتال، وكان مخمورًا قد شرب طول ليلته، فأمر أصحابه أن لا يعرضوا لهم، فزاد شغب المصافيَّة وشكوا إليه حالهم، فلما رآهم وبيدهم السُّيوف، خافهم على نفسه فهرب، فطمعوا فيه وتتبعوه وقتلوه وصاحوا: «يا مُقتدر يا منصُور!»، وحين سمع بذلك دار الخليفة محمد القاهر بالله، هرب كل من كان فيها بدءًا من الوزير والحُجَّاب حتى سائر الطبقات، وصُلب نازوك وغلامه عجيبًا، وقد خشي القاهر من هذه الاحتجاجات، فلاذ بالفرار مع أبُو الهيجاء بن حمدان.[65]

سُرعان ما استكمل الرجَّالة المصافيَّة هجومهم وتوجهوا نحو دار مُؤنس المُظفَّر مُطالبين بالمُقتدر، وخرج إليهم مُؤنس وسمع صياحهم، فسألهم عن مطالبهم، فأجابوه بأنهم يريدون المُقتدر، فأمر بتسليمه إليهم، فلما قيل للمُقتدر ذلك، خاف أن تكون حيلةً عليه، فامتنع، إلا أن الرجَّالة المصافيَّة حملوه على رقابهم حتى أدخلوه دار الخلافة، فسأل عن أخيه القاهر وجيء به، فاستدناه وأجلسه عنده وقبل جبينه، وقال المُقتدر: «يا أخي قد علمتُ أنه لا ذنب لك، وأنك قُهرت، ولو لقَّبوك بالمقهور لكان أولى من القاهر»، والقاهر يبكي ويطلب منه الرَّحمة، فرد المُقتدر: «وحق رسُول الله لا جرى عليك سوءٌ مني أبدًا، ولا وصل أحدٌ إلى مكروهك وأنا حي!»، كما جيء برأس نازوك ورأس أبي الهيجاء بن حمدان، وشُهرا في بغداد ونادى المُنادي: «هذا جزاء من عصى مولاه». استهلَّ الخليفة المُقتدر استئناف خلافته بأن ثبَّت ابن مقلة على الوزارة، وكتب إلى ولايات الخلافة بما تجدد، كما أطلق للجند أرزاقهم وزادهم، وباع ما في الخزائن لديه من الأمتعة والجواهر، وأذن في بيع الأملاك من الناس. لم يكُن في هذه الأثناء مُؤنسًا راضيًا عما جرى، فقد وافق الجماعة مغلوبًا على رأيه، ولم يمكنه فعل شيء، كما أمَّنه المُقتدر لأنه لم يتشبَّث بمُعارضته آنذاك، كما حافظ على أمن أهالي الخليفة وخدمه.[66]

القضاء على فرقة المصافيَّة[عدل]

بعد إعادة المُقتدر إلى الخلافة من قبل فرقة الرجَّالة المصافيَّة، عظم شرَّهم وقوي أمرهم، وزاد إدلالهم وامتيازاتهم، كما أصبحوا يقولون أشياء لا يحتملها الخُلفاء، مثل: «من أعان ظالمًا سلَّطه الله عليه .. ومن يُصعد الحمار إلى السطح يقدر يحطه .. وإن لم يفعل المُقتدر معنا ما نستحقه، قاتلنا بما يستحق» ونحو ذلك من الكلام المُهين لسُلطة الخليفة وهيبته، كما كثر شغبهم ومطالباتهم، فأدخلوا في معاشاتهم أسماء أولادهم وأهاليهم ومعارفهم، وبلغت نفقتهم الشهريَّة نحو 130 ألف دينار، وهو مبلغٌ كبير، ومع ذلك فقد احتمل الخليفة المُقتدر ذلك، إلا أن فرق أخرى من الجيش لم تعتد تحتمل ذلك، فقد شغبت فرقة الفُرسان وطلبوا أرزاقهم بعد أن أشيع إن بيت المال فارغ وأن جميع الأموال فيه قد ذهبت إلى المصافيَّة، فثار الفُرسان واقتتلوا مع المصافيَّة حتى قتل جماعة من الفُرسان.[67]

احتجَّ الخليفة المُقتدر على مقتلهم، وأمر صاحب الشُّرطة مُحمَّد بن ياقوت بالقضاء عليهم والتخلُّص من شرهم. وفي مُحرَّم سنة 318 هـ / فبراير 930 م، شنَّت الشُّرطة العبَّاسيَّة هجومًا على فرقة الرجَّالة المصافيَّة، فنُودي بخروجهم عن بغداد، ومن أقام قُبض عليه وحُبس، وكان ذلك، كما هُدمت دور زُعمائهم، وتم مُصادرة أملاكهم، فضربت جماعة منهم، وحُلقت لحاهم وشُهِّر بهم. وقد هاج جماعة من السُّودان تعصُّبًا للمصافيَّة، فوجَّه ابن ياقوت بفرقة الحجريَّة عليهم، فأوقع بهم، وأحرق منازلهم واحترق فيها جماعة كثيرة منهم، فخرج من بقي إلى واسط، فاجتمع بها عدد كبير منهم وتغلبوا على المدينة وسيطروا عليها، فسار إليهم مُؤنس المُظفَّر وأوقع بهم القتل ونكَّل بهم، وأنهى أمرهم.[67]

الاصطدام الأخير مع مُؤنس المُظفَّر[عدل]

لم تطب الأمور بين الخليفة المُقتدر بالله ومُؤنس المُظفَّر بعد خلعه في المرة الأولى، إلا أن الخليفة فشل في اقتلاع شوكة المُظفَّر كليًا، وفضَّل إبقاء الأمور بتوازن معه قدر الإمكان، إلا أن العلاقة بين الطرفين كانت تتفاقم، وكانت هذه المرة سببها الوزير الحسين بن القاسم، والذي كان على علاقة سيئة جدًا مع المُظفَّر، فطلب الأخير من الخليفة عزل الوزير ومصادرة أملاكه، فأجاب المُقتدر إلى عزله كما أمره بلزوم بيته، إلا أنه لم يُصادر أملاكه، فلم يقتنع مُؤنس بذلك. لم يسكت الوزير الحُسين عن مُحاولات المُظفَّر لإقالته، وأخبر الخليفة أن مُؤنسًا يريد أخذ ابنه أبي العبَّاس نحو الشَّام وأخذ البيعة له، كما كتب الوزير ابن القاسم إلى ابن الخال بالقدوم من مرداويج، وأرسل نفس الطلب إلى مُحمَّد بن ياقوت (والذي يُعتبر الرجُل الثاني بعد مُؤنس وكان بينهما مُنافسة)، في مسعى واضح لجلب أكبر عدد من المُعارضين لنُفوذ مُؤنس المُظفَّر، والذي استشعر حجم المُؤامرة عليه.[68][69]

لم يصمت مُؤنس أمام هذه التحرُّكات، وقرر التحرُّك نحو الموصل في مُحرَّم سنة 320 هـ / فبراير 932 م، وادعى أمام بنو حمدان أن الخليفة ولَّاه الموصل وديار ربيعة، إلا أن الوزير الحُسين بن القاسم كان أسرع خطى منه، وكتب إلى الحمدانيين يأمرهم بمُحاربة مُؤنس وصده عن دخول الموصل. كان لدى المُظفَّر ثمانمائة فارس، بينما شكَّل الحمدانيين جيشًا من ثلاثين ألفًا حسب بعض المُؤرخين، إلا أن المُظفَّر تمكن من الانتصار عليهم ودخل الموصل في 3 صفر 320 هـ / 15 فبراير 932 م، واستولى على أموال بني حمدان وديارهم، فخرج إليه كثير من عساكر بغداد، والشَّام، ومصر لإحسانه إليهم وإعجابهم بانتصاراته المُتكررة.[70][71]

خلع المُقتدر بالله ومقتله[عدل]

بعد اجتماع العديد من الجُند حول مُؤنس في الموصل، طلبوا منه السير إلى الخليفة لينصفهم ويجري أرزاقهم أو يُقاتلوه ويخلعوه، فتحرَّك مُؤنس على رأس الجيش نحو بغداد في شوَّال 320 هـ / أكتوبر 932 م، فلما بلغ خبره جند العاصمة بغداد، شغبوا وطلبوا أرزاقهم، ففرَّق الخليفة فيهم أموالًا كثيرة، إلا أنه لم يُكمل مطالبهم، ومن ضمن التحرُّكات المُقتدريَّة، وجَّه أبُو العلاء سعيد بن حمدان التَّغلُبي على رأس خيلٍ عظيمة نحو سُرَّ من رأى، كما توجَّه أبُو بكر مُحمَّد بن ياقوت على رأس ألفي فارس، ومعه الغُلمان الحجريَّة إلى منطقة المعشوق. وصلت طلائع جيش مُؤنس إلى تكريت فحصل اضطراب لدى قوات ابن ياقوت، فتسللوا من المعسكر وهربوا نحو بغداد، ما جعل ابن ياقوت يتوجه نحو عكبرا، كما لم يصطدم جيش ابن حمدان معه، لينزل مُؤنس وجيشه في الشَّمَّاسيَّة شمال بغداد، وحاول المُقتدر مع ابن خاله، هارون بن غريب للخروج فلم يفعل وقال له:«أخاف من عسكري، فإن بعضهم أصحاب مُؤنس، وبعضهم قد انهزم أمس من مرداويج، فأخاف أن يسلموني وينهزموا عني». أرسل المُقتدر إلى وزيره يطلب استشارته، فأشار عليه بتفريق الأموال منه ومن مُمتلكات والدته السَّيدة شغب ليرضي الجُند، إلا أنه قال: «لم يبق لي ولا لوالدتي جهة شيء». حاول المُقتدر الذهاب إلى واسط ومُكاتبة العساكر المُتواجدين في البصرة، والأهواز، وفارس وغيرها وأن يترك بغداد مُؤقتًا لمُؤنس حتى يقوى أمره مع جيشٍ كبير، إلا أن مُحمَّد بن ياقوت رده عن ذلك بفكرة غير حكيمة، حيث شجَّعه على لقاء مُؤنس، وأنهم متى ما رآه جيش مُؤنس عادوا جميعهم إليه، فقبل قوله وهو كاره.[72][73]

خرج الخليفة جعفر المُقتدر بالله على رأس بعض الجند، ومعه الفُقهاء والقُرَّاء ومعهم المصاحف مشهورة، وعليه البردة النبويَّة، فوقف على خيله في تل عالٍ بعيد عن المعركة، وبدأ من معه يشيرون عليه بالتقدُّم وهو لا يريد ذلك، فألحوا عليه، وكان قد رغَّب من معه بأن وعدهم بعشرة دنانير مقابل كل أسير، ومن جاء برأس فله خمسة دنانير، فلما تقدم المُقتدر بمن معه التحم الجمعان فانهزمت كتائب المُقتدر سريعًا وهرب أكثرهم عنه، وجاء رجُل يدعى عليُّ بن بُليق من أصحاب مُؤنس، فترجَّل من حصانه وقبَّل الأرض وقال للخليفة: «إلى أين تمضي؟ ارجع، فلعن الله من أشار عليك بالحُضور!»، فلم يعرف المُقتدر ما يفعل في هذا الموقف، وأراد الرُّجوع إلا أن أنصار مُؤنس أحاطوا بالمُقتدر، وكانوا من المغاربة والبربر، فتركه ابن بُليق وسار عنه، فشهر الجُند سيوفهما بهدف قتل المُقتدر، فقال لهم: «ويحكم أنا الخليفة!»، فقال بعضهم: «قد عرفناك يا سِفلة، أنت خليفة إبليس، تبذل في كل رأس خمسة دنانير، وفي كل أسير عشرة دنانير!» فبادره أحدهم بطعنة سيف على كتفيه فسقط إلى الأرض واقترب آخرون وقتلوه وحزُّوا رأسه، فرفعوا رأسه على خشبة وهم يُكبرون ويلعنونه، وأخذوا جميع ما لديه، وتُرك جسده على الأرض إلى أن مر به رجل وحفر له موضع ودُفن وعُفي قبره.[72][73]

كان مُؤنس في الرَّاشديَّة لم يشهد المعركة، فلما حُمل رأس المُقتدر إليه، بكى مُؤنس ولطم وجهه ورأسه وصاح بهم: «يا مُفسدون! ما هكذا أوصيتكم .. قتلتموه، وكان هذا آخر أمره، والله لنُقتلنَّ كُلنا، وأقل ما في الأمر أنكم تظهرون أنكم قتلتموه خطأ»، وأرسل فورًا كتيبة لحماية دار الخليفة من النَّهب، وقد وجد أن عبد الواحد بن المُقتدر، وهارون بن غريب، ومُحمَّد بن ياقوت ومُحمَّد بن رائق قد لاذوا بالفرار نحو المدائن، وينتقد العالم والمُؤرخ ابن الأثير الجزري ما قام به مُؤنس وجنده في تحركاتهم وتمرُّدهم ضد منصب الخلافة وما فعله ضد الخليفة المُقتدر قائلًا: «وكان ما فعله مُؤنس سببًا لجرأة أصحاب الأطراف على الخُلفاء، وطمَّعهم فيما لم يكن يخطر لهم على بال، وانخرقت الهيبة وضعف أمر الخلافة حتى صار الأمر إلى ما نحكيه».

قُتل المُقتدر بالله في يوم الأربعاء 28 شوَّال سنة 320 هـ / 1 نوفمبر 932 م عن عمرٍ ناهز 38 سنة، وشهر واحد، و6 أيَّام حسب التقويم الهجري، بينما في التقويم الميلادي، كان عمره 36 سنة و11 شهر و18 يوم. في حين أن مدة خلافته كانت 24 سنة و11 شهر و15 يوم.[72][73]

ما بعد وفاته[عدل]

بعد مقتل الخليفة جعفر المُقتدر بالله، عظم قتله على مُؤنس وشعر بالذَّنب، ورأى تنصيب ابنه أبُو العبَّاس مُحمَّد بن المُقتدر، وعرض وجهة نظره قائلًا: «فإنه تربيتي وهو صبيٌ عاقل، وفيه دينٌ وكرم ووفاء بما يقول، فإذا جلس في الخلافة سمحت نفس جدته والدة المُقتدر وإخوته وغُلمان أبيه ببذل الأموال، ولم ينتطح في قتل المُقتدر عنزان»، إلا أن أبُو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النُّوبختي عارض ذلك وقال: «بعد الكد والتعب استرحنا من خليفة له أم وخالة وخدم يدبرونه، فنعود إلى تلك الحال؟! والله لا نرضى إلا برجلٍ كامل يُدبر نفسه ويدبرنا»، فوافقه الرأي مُؤنس بعد تردد، وذكر له أبُو منصُور مُحمَّد بن المُعتضد، المعرُوف باسم القاهر بالله فأجابه مُؤنس إلى ذلك،[74] ويُعلق العالم والمُؤرخ ابن الأثير الجزري قائلًا على إرادة النُّوبختي: «وكان النُّوبختي في ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه، فإن القاهر قتله».[72]

نفوذ السَّيدة شغب والقهرمانات[عدل]

سادت هيبة الخلافة في بعض فترات حكم المُقتدر بعد تسلمه زمام الحكم ووجود وزراء أقوياء مثل ابن الفُرات، ومُوسى بن عيسى، وقائد مُحنَّك مثل مُؤنس المُظفَّر، إلا أن هناك عوامل أخرى أدت لانحلال الخلافة تدريجيًا، ومنها دخول المرأة هذه الفترة في دائرة الحُكم والنُّفوذ بسبب صغر سن الخليفة، فساهمت المرأة مع الرجل في جميع مرافقها حتى وصلت إلى منصب القضاء، وكان على رأس النساء المُتنفذات هي السَّيدة شغب (والدة الخليفة المُقتدر)، ومُرافقاتها المُتنفذات اللواتي عُرفن بالقهرمانات، مثل أم موسى الهاشميَّة والتي ترقت في عملها بعد فاطمة القهرمانة، حتى أصبحت تُساهم في تعيين وخلع الوزراء على رغبة سيدتها شغب قبل أن تُنكَّب في سنة 310 هـ / 922 م، بتدبير مُحاولة لخلع الخليفة المُقتدر وتعيين صهرها الأمير أبُو بكر من ذرية المُتوكِّل.[75] وثمل التي تولَّت رؤية مظالم الناس في كل جمعة، كما يبرز توقيعها مع تواقيع أعيان القضاة والفُقهاء والأعيان.[76] وزيدان القهرمانة والتي كانت تملك شبكة اتصالات مع العديد من المسؤولين وعملت كوسيط بينهم وبين المُقتدر، وفاطمة وغيرهن من القهرمانات المُتنفذات واللواتي يعملن بأوامر من سيدتهُن شغب.[77] فظهرت السَّيدة شغب على المسرح السياسي بمظهر صاحبة النُّفوذ والسُّلطة والقُوَّة، وأخذت تتدخل في شؤون الدولة كبيرها وصغيرها، ومسكت بمزما الأمور بالتعاون مع قهرماناتها وجواريها، ولم تكن في سبيل تعليم ابنها المُقتدي والعمل على تدريبه في أصول الحُكم، بل عملت على حرمانه من التعليم وقراءة الكتب العلميَّة التثقيفيَّة حتى لإبقائه تحت هيمنتها وأرادته ضعيفًا غير مُلم بشؤون الدولة.[78]

التنكيل بالوزراء ومصادرة الأملاك[عدل]

وكان للسَّيدة شغب دورٌ كبير في تعيين الوزراء والكُتَّاب والقادة إضافة إلى عزلهم وحبسهم ومُصادرة أملاكهم وأموالهم حتى الفتك بهم، فالوزير عليُّ بن عيسى بن الجرَّاح، والذي يعتبر من أعف وأثقف وزراء المُقتدر، تم عزله بسبب أنه كان نائمًا ولم يرضى بإيقاظه من حاشيته، مما جعل القهرمانة أم مُوسى الهامشيَّة تنقل الخبر إلى المُقتدر وكانت والدته شغب جالسة معه، فقررت عزله وحبسه، لتكون ضربة للوزير والوزارة نفسها.[79] وكان للوزير ابن الفُرات نصيبًا من هيمنتها، فقد جاء لمنصب الوزارة ثلاث مرَّات، وفي كل مرة يتعرَّض للحبس والمُصادرة بعد عزله، كما ساهمت في تعيين مُحمَّد بن عبيد الله بن يحيى الخاقاني بعد أن ضمن لها 100 ألف دينار إن أصبح وزيرًا، فعملت على ذلك بعد أن أخرجت ابن الفُرات وجرى حبسه ونهب داره ودور أهله. وكان للوزير أحمد بن عبد الله الخطيب نصيبٌ من العزل والقبض على أمواله على الرُّغم من أنه كان عفيفًا وأديبًا وكان يعمل كاتبًا لها قبل استوزاره، إلا أنها كانت مدفوعة بنزواتها وإرادتها الشخصيَّة.[80]

وكان السبب في نكبة الوزراء من قبلها، هو حبها الشَّديد للمال لتستعمله في تنفيذ أهدافها السياسية، فجمعت مالًا كثيرًا من نقود ومجوهرات ورياش وملابس وغيرها من وراء ذلك، حتى أنها طلبت من القاضي ابن بهلول أن يعطيها من أموال الوقف وكان مسؤولًا عليها، فرفض بشدة.[81] ومن كثرة ما جمعت من الأموال، فقد أصبحت موضع اعتماد الدَّولة عليها عند الحاجة، ففي سنة 307 هـ / 920 م، قدمت من مالها المُدَّخر 500 ألف دينارًا ليتم إنفاقها في الحرب ضد القرامطة. كما أخرجت الأموال في إعادة ابنها المُقتدر للخلافة بعد انقلاب ابن المُعتز خلال يومين في سنة 296 هـ / 909 م.[81] وعلى الرُّغم من هيمنتها وبطشها بالوزراء، فقد كان المُقتدر في هذه الأحوال شديد الاستماع والاحترام لأمه شغب، وكان من شدة احترامه أنه إذا دخلت عليه ورآها، يقوم لها ويُعانقها ويُقبل رأسها ويجلسها معه في عرش خلافته، وكان يأخذ بمشورتها في أمور السياسة والحكم، وهي من حذرت ابنها يومًا من الوزير ابن الفُرات لمحاولاته إبعاد مُؤنس المُظفَّر عنه. وقد يُفهم من ذلك أنها كانت مُؤيدة لمُؤنس المُظفَّر، إلا أنها كانت السبب الحقيقي في إشعال الفتنة بين ابنها المُقتدر ومُؤنس المُظفَّر، بعد أن كان الأخير من أشد الناس إخلاصًا لسيده الخليفة، فقد كان لها اليد الطُّولى لمحاولة قتل مُؤنس في سنة 315 هـ / 927 م، والذي أدى لتغيُّر قلب مُؤنس تجاه الخليفة لاحقًا وتكررت الحوادث، حتى تفاقم الأمر بالنسبة لمُؤنس، والتي أدت في النهاية لمُحاربته الخليفة على مراحل.[82]

نهاية نُفوذها مع نهاية المُقتدر[عدل]

وفي الفترة الأخيرة من عهد المُقتدر، حينما أصابته الحرب الأخيرة ضد مُؤنس المُظفَّر، جاء إليها المُقتدي وطلب منها المال بسبب قلة المال لديه، وكي يعينه في حشد جيش ضده، إلا أنها ذكرته قائلة: «قد أخذت مني يوم سار القرمطي إلى بغداد ثلاثة آلاف ألف دينار، وما بقيت لي بعدها ذخيرة إلا ما ترى»، وأرسلت تأتي إليه بخمسين ألف دينار، فقال المُقتدر:«وأي شيء تغني عني هذه الدنانير وأي مقام تقوم لي هذه الخمسون ألفًا في عظيم ما ستقبله؟!»، ثم تركها وقال لها في الأخير: «أما أنا فخارجٌ كيف كنت وعلى ما استطعت ولعلي أُقتل واستريح، ولكن الشأن في من يبقى بعد» ليُقتل الخليفة المُقتدر في سنة 320 هـ / 932 م. وتُعلق الأستاذة الجامعيَّة العراقيَّة مليحة رحمة الله على موقفها هذا قائلة: «وكان لسوء تصرُّفها هذه قد عرَّضت ابنها للقتل بالصُّورة الشنيعة التي يصفها المُؤرخون، كما كان حرصها للمال سببًا في تعرُّضها للتعذيب والإهانة من الخليفة القاهر بالله الذي أراد أن يثأر لنفسه»، في إشارة إلى قيام الخليفة القاهر لاحقًا بتعذيب السَّيدة شغب في سبيل الاعتراف بما تمتلكه، إلا أنها شهدت على نفسها لدى القُضاة والعدول بأنها حلَّت أوقافها ووكَّلت ببيعها. وتختم رحمة الله قائلة: «وبهذه الصُّورة انتهت حياة السَّيدة أم المُقتدر وهي من كبريات نساء بني العبَّاس في العصر الثاني، والتي انفردت بنفوذها الواسع وسطوتها لأطول فترة عرفتها المرأة العبَّاسيَّة والتي قاربت الثلاثين سنة خلال الحُكم العبَّاسي».[83]

سياسته الداخليَّة[عدل]

سياسته الخارجيَّة[عدل]

العلاقة مع الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة[عدل]

حياته الشخصيَّة[عدل]

صفاته[عدل]

صفته الخلقيَّة[عدل]

كان الخليفة المُقتدر رَبَع القامة إلى القصر ماهو، ثقيل البدن وعظيم الجسم، دُرّيُّ اللَّون، حسن الوجه، بعيد ما بين المنكبين، جعد الشعر، كثير الشَّيب في رأسه وعارضيه في أواخر عمره، وكان يحب التجمُّل.[84][85]

أخلاقه[عدل]

كان المُقتدر صاحب مواقف تدل أحيانًا على جودة الفهم، وحُسن تقدير للموقف، فعندما كان يُلاعب الفضل أصغر أبنائه بحضور ابنه مُحمَّد، ظن أن هذا قد يثير غيرته فاستدرك المُقتدر الموقف قائلًا: «يا مُحمَّد لا تنظر إلى فعلي بفضل فتظن أنه يعشرك - أي يُبعدك - عني، ولا أحد من الناس، ولكنه صغير ولم تزل الرِّقَّة والمرح ينصرفان إلى الأصغر من الولد، وللكبير جلاله ومحلُّه». وقالت زيدان القهرمانة حينما بلغها حُسن أدب وفطنة ابنه مُحمَّد الرَّاضي بالله: «ما نريد أن يكون أولادنا أدباء ولا عُلماء، وهذا أبوهم - أي جعفر - قد رأينا كل ما نحب فيه وليس بعالم» في مقصد لحُسن أدب المُقتدر وخُلُقه. وعلى الرُّغم من قلة علم المُقتدر في مجال الأخبار والآداب، إلا أن أبناؤه قد حظوا بتعليمٍ جيد على يد كبار المُربين في زمانهم، مثل الأديب أبُو بكرٍ الصُّولي، وكانت جدتهم تبدي حرصًا على نوع التعليم الذي يتلقونه.[8]

مراجع[عدل]

فهرس المنشورات[عدل]

  1. ^ الكازروني (1970)، ص. 172.
  2. ^ أ ب ت ث ج ابن الأثير (2005)، ص. 1113.
  3. ^ السيوطي (2003)، ص. 300.
  4. ^ ذياب (2003)، ص. 4.
  5. ^ أ ب ت شاكر (2000)، ج. 2، ص. 107.
  6. ^ ذياب (2003)، ص. 61.
  7. ^ رحمة الله (1971)، ج. 2، ص. 759-760.
  8. ^ أ ب ذياب (2003)، ص. 62.
  9. ^ الخضري (2003)، ص. 251-253.
  10. ^ الخضري (2003)، ص. 278.
  11. ^ ذياب (2003)، ص. 4-5.
  12. ^ الخضري (2003)، ص. 303-306.
  13. ^ ذياب (2003)، ص. 29.
  14. ^ الخضري (2003)، ص. 308.
  15. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1105-1106.
  16. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1107.
  17. ^ ذياب (2003)، ص. 32.
  18. ^ مسكويه (2003)، ج. 5، ص. 3-4.
  19. ^ الكازروني (1970)، ص. 172.
  20. ^ الخضري (2003)، ص. 307.
  21. ^ الذهبي (1996)، ج. 13، ص. 484.
  22. ^ المسعودي (1938)، ص. 328.
  23. ^ سعيد (1979)، ص. 107-110.
  24. ^ مسكويه (2003)، ج. 5، ص. 4.
  25. ^ سعيد (1979)، ص. 111.
  26. ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 1114.
  27. ^ سعيد (1979)، ص. 112.
  28. ^ الخضري (2003)، ص. 31-32.
  29. ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 1115.
  30. ^ أ ب الخضري (2003)، ص. 317.
  31. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1143.
  32. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1108.
  33. ^ أ ب ت ث ابن الأثير (2005)، ص. 1142.
  34. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1044.
  35. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1124.
  36. ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 1125.
  37. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1131.
  38. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1145.
  39. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1146.
  40. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1148.
  41. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1151-1152.
  42. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1149.
  43. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1154.
  44. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1151.
  45. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1161.
  46. ^ الخضري (2003)، ص. 331.
  47. ^ سرور (2014)، ص. 30-31.
  48. ^ سرور (2014)، ص. 31.
  49. ^ سرور (2014)، ص. 32.
  50. ^ سرور (2014)، ص. 34.
  51. ^ أ ب ت ث ابن الأثير (2005)، ص. 1141.
  52. ^ سرور (2014)، ص. 105-107.
  53. ^ سرور (2014)، ص. 111.
  54. ^ سرور (2014)، ص. 117.
  55. ^ سرور (2014)، ص. 116.
  56. ^ سرور (2014)، ص. 101.
  57. ^ سعيد (1979)، ص. 125.
  58. ^ سعيد (1979)، ص. 126.
  59. ^ سعيد (1979)، ص. 127.
  60. ^ سعيد (1979)، ص. 129-130.
  61. ^ أ ب سعيد (1979)، ص. 131.
  62. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1151.
  63. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1156.
  64. ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 1159.
  65. ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 1160.
  66. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1160-1161.
  67. ^ أ ب ابن الأثير (2005)، ص. 1163.
  68. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1167.
  69. ^ الخضري (2003)، ص. 333.
  70. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1169.
  71. ^ الخضري (2003)، ص. 333-334.
  72. ^ أ ب ت ث ابن الأثير (2005)، ص. 1169.
  73. ^ أ ب ت الخضري (2003)، ص. 334.
  74. ^ الخضري (2003)، ص. 335.
  75. ^ حسن (2013)، ص. 124-127.
  76. ^ رحمة الله (1971)، ج. 2، ص. 760.
  77. ^ رحمة الله (1986)، ص. 98.
  78. ^ رحمة الله (1971)، ج. 2، ص. 760.
  79. ^ رحمة الله (1971)، ج. 2، ص. 761.
  80. ^ رحمة الله (1971)، ص. 761-762.
  81. ^ أ ب رحمة الله (1971)، ج. 2، ص. 763.
  82. ^ رحمة الله (1971)، ج. 2، ص. 762.
  83. ^ رحمة الله (1971)، ج. 2، ص. 764-765.
  84. ^ الكازروني (1970)، ص. 173.
  85. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 1169.

فهرس الوب[عدل]

معلومات المنشورات كاملة[عدل]

الكُتُب العربيَّة مرتبة حسب تاريخ النشر
المقالات المحكمة