فرحان بن صفوق الجربا

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الشيخ  تعديل قيمة خاصية (P511) في ويكي بيانات
فرحان بن صفوق الجربا
صورة منسوبة للشيخ فرحان بن صفوق الجربا

شيخ شمر في الجزيرة الفراتية
في المنصب
1266هـ/ 1850 م – 26 ذي القعدة 1307هـ/ 1890 م
معلومات شخصية
الميلاد 1225هـ/1810م
بغداد  تعديل قيمة خاصية (P19) في ويكي بيانات
تاريخ الوفاة 1307هـ/1890م حوالي 80 عاما[1][2]
مكان الدفن مقبرة الشيخ معروف  تعديل قيمة خاصية (P119) في ويكي بيانات
مواطنة الدولة العثمانية (1867–1890)  تعديل قيمة خاصية (P27) في ويكي بيانات
الزوجة جزعة الشمرية
درة بنت عبد الرحمن الطائي
سرحة الزوبعية
عدلة بنت سعدون الجرجري
نوير القعيط
بهيمة بنت ابن قشعم.[3]
الأب صفوق بن فارس الجربا  تعديل قيمة خاصية (P22) في ويكي بيانات
الأم لطيفة بنت عبد الله من آل رمال[4]
الحياة العملية
المهنة سياسي  تعديل قيمة خاصية (P106) في ويكي بيانات
اللغة الأم العربية  تعديل قيمة خاصية (P103) في ويكي بيانات
اللغات العربية،  والعثمانية  تعديل قيمة خاصية (P1412) في ويكي بيانات

فرحان بن صفوق الجربا (بغداد 1810- بغداد 13 يوليو 1890) شيخ قبيلة شمر في العراق العثماني، حكمها سنة 1846م في حياة والده صفوق الجربا بعد أن قلده والي بغداد المنصب شرط تكون قيادة شمر لوالده صفوق، فر بعد مقتل والده صفوق بن فارس الجربا في نوفمبر 1847م.[5] وتولى المنصب رسميًا سنة 1850، وهو شخصية محبوبة من قبل أغلب القبيلة، ويعتبر حكمه بداية دخول التنوير والتمدن إلى القبيلة والمنطقة ككل، فهو أحد أبناء صفوق من زوجته الحضرية، وشارك أباه سنوات النفي في الأستانة، فشاهد مظاهر الأبهة والعظمة فاعتقد أن الدولة العثمانية لا يمكن قهرها، ومن ناحية أخرى رأى فرحان بضرورة إيجاد أسس قوية للتفاهم بين قبيلته وحكومة بغداد، وهو صاحب تقوى ودين وعبادة، وأطلق عليه أبناء شمر «شهر البتول» لحسن طالعه ودينه،[6][7] وعرف عنه أنه صاحب بخت «حظ» ودائما ما تدعو البدو ببخته فيقال: يابخت فرحان.[8] وقد امتدت مشيخته إلى ما يزيد عن أربعين عامًا، عاصر فيها أهم الشخصيات في تلك الفترة مثل مدحت باشا والي العراق (1869-1872م) الذي يعد باني النهضة الحديثة للعراق. وكذلك عاصر السلطان عبد الحميد (1876-1909م)، وعاصر شاه فارس ناصر الدين القاجاري. كما عاصر أحداثًا مهمة مثل افتتاح قناة السويس، وزيادة التكالب الاستعماري الأوروبي على العراق أواخر القرن التاسع عشر.[9]

البداية[عدل]

ولد فرحان سنة 1225هـ/1810م في بغداد وأمه لطيفة بنت عبد الله بن نايف بن عبد الله بن محمد الملقب بالكود من آل رمال شمرية الأصل بغدادية الموطن،[10][4] وتعلم في بغداد مبادئ اللغة العربية، وعندما كبر التحق بمضارب والده صفوق في الجزيرة، وكان شابًا ذكيًا ويمتاز بشخصية جذابة ومنطق مقنع.[11] وعندما نفي والده صفوق إلى الأستانة ذهب معه، حيث بقيا تحت الإقامة الجبرية لثلاث سنوات. ومع أن التأثير الثقافي لم يكن ملموسًا على الشيخ صفوق، إلا أنه تغلغل وبصورة واضحة على فرحان، الذي درس في مكتب حافظ باشا (1835-1839) أو «شريعة مكتبي»[ملحوظة 1] حيث تعلم اللغة التركية وتذوق العادات والملابس العثمانية.[13][14] وفي سنة 1846م انتقلت قبيلة شمر من شمال بغداد نحو منطقة الموصل، حيث أرسل صفوق إبنه فرحان إلى محمد نجيب باشا (والي بغداد) ومعه بعض الهدايا لاقناعه بإعادة تعيينه شيخًا عامًا لشمر، فاستجاب الوالي لطلب صفوق، ولكنه قلد المنصب لفرحان شرط تكون قيادة شمر لصفوق، بمعنى أن يكون صفوق زعيما غير معترف به، وطلب الوالي من فرحان بأن يثبت مقدرته في الوقوف على قدميه وإدارة القبيلة. ومع ذلك لم يسر فرحان في الطريق الذي رسمه له الوالي، فظل مخلصًا لأبيه ولفكرة وحدة القبيلة تحت زعامة صفوق. وقد حاول فرحان أن يصفي المشاكل التي كانت بين والده وبين نجرس بن زيدان الجربا الذي كان يطالب بمشيخة القبيلة.[15][16]

قضية نجرس الجربا ومقتله[عدل]

في سنة 1844م عين الوزير نجيب باشا شيخًا جديدًا لشمر لينافس صفوق وهو «نجرس الزيدان الجربا»، وقد كان نجرس قد أعلن نفسه شيخًا على عموم شمر عندما كان صفوق منفيًا إلى اسطنبول. وقد رفض صفوق هذا القرار مع أن الأوضاع لم تكن في صالحه، فشيخ شمر المطلق بدأ يفقد الكثير من مواهبه في المعارك، هذا غير المجاعة الشديدة التي خيمت على الجزيرة الفراتية في 1844م واستمرت عامين، فأعاقت جهود صفوق الاستفراد بالسلطة بل وأرغمته على بيع مجوهرات نسائه الخاصة ومواشيه في الموصل لشراء حبوب للقبيلة، فخسر بذلك ثروته. فعندما يخسر شيخ القبيلة ثروته فإنه يخسر نفوذه في العشيرة، فساعد ذلك منافسه نجرس الزيدان المؤيد من الحكومة أن يتحدى صفوق في خدماته تجاه الحكومة والقبيلة.[17] لذلك سعى فرحان أن يصفي المشاكل التي بين أبيه ونجرس حفاظا على كيان البيت الحاكم وعلى كيان القبيلة، فبدا لصفوق أنها فرصة لتحقيق أهدافه. فوجه دعوة لنجرس لعقد اجتماع كبير لشيوخ شمر لتصفية الضغائن، ولكن نجرس رفض الدعوة لأنه يدرك أن صفوق مستعد أن يقتله في سبيل استعادة تفرده بالمشيخة. فأصر صفوق على تكرار دعوته، وأقنع إبنه فرحان بأن يدعو الشيخ نجرس شخصيًا إلى مضيفه، إلا أن فرحان كان يخشى أن يحنث أبوه بوعده ويغدر بنجرس فيحمل هو وزر تلك الوساطة. لذلك أخذ من أبيه العهود بألا يصيب نجرس بأذى إذا ما حضر في صحبته. وبعدها ذهب فرحان إلى نجرس ليطمئنه ويزيل مالديه من مخاوف، حيث قدم إليه وعده الشخصي بالأمان إذا قام الأخير بزيارة الشيخ صفوق. وعلى هذا الأساس ذهب نجرس مع فرحان إلى الاجتماع، ودخل المضيف حيث استقبله صفوق، وأخذ الإثنان بالحديث حول زعامة شمر، وأوضح الشيخ صفوق الأخطاء التي وقع فيها الشيخ نجرس عندما نافسه على المشيخة، ولم يفض الحوار إلى شيء فخرج الشيخ نجرس من المضيف، فلحقه إثنان من أبناء عمومته وهما سميط الفهد وهجر العمر وقتلاه بسبب خلاف عائلي قديم بينهم.[18] في حين ذكر قول آخر أن الشيخ نجرس جلس بجانب صفوق، وبعد فترة وجيزة استل صفوق سيفه وقتل نجرس رغم توسلات ابنه فرحان.[15]

مقتل والده صفوق الجربا[عدل]

بعد مقتل نجرس الجربا ضعفت مكانة صفوق أكثر من ذي قبل، فدعى زعماء القبيلة إلى انعقاد مجلس للقبيلة لاختيار زعيم جديد، فحادثة القتل تلك قد مزق القبيلة، واتُهِم الشيخ صفوق بقتله. فجرى انتخاب عيادة بن زيدان الجربا شيخًا على شمر، فانقسمت القبيلة بعد انتخابه بينه وبين صفوق. فاجتمعت الأفخاذ المؤيدة لعيادة مع عشائر أخرى بالقرب من ماردين لمحاربة صفوق. فتراجعت قوات صفوق نحو الشمال الشرقي إلى ديار بكر، ثه طلب المساعدة من نجيب باشا لحمايته، خاصة أن أحواله كانت في انتكاس مستمر بسبب تلك المشاكل، وأنه في حاجة لأي مساعدة تنشله من المأزق الذي وقع فيه، وسبّب بتفكك قبيلته.[19][20] فاستغل العثمانيون تلك الفرصة السانحة للتخلص منه، فأرسل نجيب باشا إليه قوة عسكرية حكومية بقيادة إبراهيم آغا.[ملحوظة 2] فغادرت المفرزة تلك بغداد أواخر نوفمبر (تشرين ثاني) 1847م،[20] وعندما وصلت إلى صفوق جرى تقديم خطة يتولى بموجبها فرحان قيادة القوات المهاجمة، ثم يلحقه الجنود العثمانيون المرابطون بالقرب من خيام صفوق، وقد كان إبراهيم خلال وجوده لدى صفوق يتحين الفرصة المناسبة لقتله. وجاءت تلك الفرصة عندما خرج فرحان بقواته للاشتباك مع العشيرة الثائرة، وما أن ابتعد برجاله حتى انقضت القوة العثمانية على صفوق وقتلوه وأخذوا رأسه إلى بغداد ثم إلى الأستانة.[21][22] وبمقتله تفككت القبيلة، ففر فرحان بعد مقتل أبيه إلى الهندية جنوب بغداد، عند حليف والده الشيخ وادي بك الشلال شيخ قبيلة زبيد ومعه اتباعه ووسائط ركوبهم فقط، بعد ان أبقى أخوته عند بدر القعيط لفترة من الوقت، وقد أكرمهم السيخ وادي وأبقاهم حتى هدأت الأوضاع في مضارب شمر بعد مقتل عيادة الجربا فأعاد الوالي مشيخة شمر إلى فرحان كي يستعيد ثقة القبيلة ويتمكن منها. وقيل أن فرحان توجه إلى قبيلة العمارات العنزية عند ابن هذال حتى لا يلقى نفس مصير أبيه، ومكث هناك سنة إلى أن عفا عنه نجيب باشا يوم 28 سبتمبر 1848 وأعاده إلى حكم القبيلة.[11]

حكم القبيلة[عدل]

استمرت الأوضاع في شمر مرتبكة طوال سنة 1848، ولكن عبور قبيلة عنزة بقيادة ابن هذال ودهام ابن كعيشيش من البادية السورية إلى الجزيرة في ربيع تلك السنة أوقفت النزاعات الداخلية في شمر تأهبا لهذا الغزو، وما أن اندلعت معركة مناخ الأحمدي بين شمر وعنزة حتى انسحبت قبيلة طيء والقوات الحكومية التي كانت تدعم عيادة الجربا فقتل الشيخ عيادة في تلك المعركة، فهدأت الأوضاع في شمر حيث أعاد الوالي نجيب باشا إلى فرحان حكم القبيلة.[23][24]

اشتد الصراع داخل القبيلة إثر قبول فرحان لسياسة الدولة في توطين البدو وممارسة الزراعة، فأصبح لدى فرحان مزارعين من عشيرة الفداغة الشمرية في الأملاك الواسعة على ضفاف دجلة والزاب في منطقة شرقاط، وقد بلغت تلك المساحة المزروعة سنة 1850 حوالي 170 جردًا.[25] وفي نفس السنة طلب والي العراق الجديد عبدي باشا المساعدة من فرحان في القضاء على ثورة العشائر في الهندية. فأرسل رجال قبيلته إلى جنوب بغداد، حيث بدأوا بغزو القبائل هناك دون تمييز، والسبب في ذلك أن عبدي باشا لم يجهز تلك المقاتلة وعوائلهم بالمؤن الكافية ولم يوفر العلف لحيوانتهم، كما أن الجيش العثماني كان ينظر بالريبة إلى هؤلاء المقاتلين، فأدى ذلك إلى نشر الخوف والفوضى في تلك المناطق، وأصبحت المواصلات غير مأمونة بين بغداد وكوت العمارة. وبالنهاية طلب عبدي باشا من الشيخ فرحان أن يسحب رجال قبيلته وان يعودوا إلى مناطقهم. ونتيجة لذلك عزل عبدي باشا فرحان عن مشيخة شمر وولى مكانه هجر العمر في أغسطس 1851 براتب شهري قدره 2000 قرش، وهجر العمر متهم بقتل نجرس الزيدان (انظر مقتل نجرس الجربا)، مما حدا بأحد أبناء عمومة نجرس أن يتمكن من قتل هجر في نفس عام تعيينه، فأعاد الوالي الجديد نامق باشا مشيخة القبيلة إلى فرحان مع راتب ألف قرش -أي ما يعادل 3 آلاف جنيه في ذلك الزمن وخلعت عليه لقب الباشا وبنت له بالقرب من قصره قلعة للسيطرة على العشائر سنة 1852م.[26][25]

وفي سنة 1852 ثار وادي بك الشلال ضد سلطة الوالي نامق باشا، فساندت العديد من القبائل وادي بك في ثورته، فنشروا الخراب في وسط وجنوب العراق. فاستغلت الوضع قبيلة عنزة الكبيرة، فعبرت نهر الفرات وتعاونت مع عشائر الدليم وعاثت في المنطقة الفساد وقطعت خطوط الموصلات، وأطبقت على الفلوجة وهيت.[27] فطلب الوالي مساعدة فرحان في إخماد تلك ثورة وادي الشلال، لكن لم يشارك الشيخ فرحان سوى بألفين من الفرسان قادهم بنفسه، ولم يدخل في مناوشات قوية مع الثوار وعاد بسرعة إلى مركزه في شرقاط، والسبب في ضعف مساهمة فرحان هو موقف الشيخ وادي بك معه عندما لجأ إليه، والثاني هو عدم رغبته في أن يصطدم مع العشائر العربية الثائرة ضد سلطات بغداد.[28]

التقنيات العسكرية العثمانية الجديدة[عدل]

خلال الفترة من 1853-1856م شنت أفخاذ شمر غارات عديدة على أنحاء من الجزيرة الفراتية، وإن كان معظم تلك الغارات قليلة الأهمية إلا أنها ولدت حالة من عدم الاستقرار في تلك المنطقة، فطلبت السلطات الحكومية من فرحان أن يمنع تلك الحوادث، ولكن لضعف شعبيته داخل القبيلة لم يستطع أن ينفذ طلبات الحكومة، فألغت الدولة راتبه سنة 1854م فعادت القبيلة لتعكير الأمن، واستمرت غاراتها دون رادع، فأخذت الخوة من الفلاحين والقرى الآمنة، بالإضافة إلى خروج قبيلة عنزة (الفدعان) جنوبًا عبر الفرات لتتمون، فأصبحت المنطقة خالية لشمر خلال 1855-1856.[25] ولكن بعد الانتهاء من حرب القرم أدخل الوالي رشيد باشا سنة 1857 التقنيات العسكرية الحديثة لصد تفوق البدو في سرعة حركتهم وقوة تماسكهم القبلي وبراعتهم بالقتال. فأدخل البوارج أو الزوارق البخارية المسلحة في دجلة لمنع القبائل من الإغارة على السفن التجارية التي تبحر بين بغداد والموصل، وكذلك قدم التلغراف مكسبا جديدا للقوات الحكومية في سرعة الحركة، يضاف إلى ذلك نشر مراكز الشرطة على طول الطرق، خصوصا بين الرمادي ودير الزور وبين الخالص وكركوك، مما جعل الأسفار سالمة من خطر المتربصين[29][30]

التعاون مع حكومة بغداد[عدل]

في سنة 1857م دعا الوالي رشيد باشا الشيخ فرحان لزيارة بغداد حيث عقد معه اتفاقًا أقر فيه الشيخ فرحان أن يكون مسؤولا عن شمر أمام الحكومة، وأن يكون هناك تعاونًا بينهما لضمان أمن وسلامة القوافل في إقليم الجزيرة بأن يمتنع الشيخ من جمع الخوة والأتاوات من القوافل والقرى الأخرى التي تقع ضمن حمى شمر، مقابل دعم العثمانيون الشيخ فرحان بـ 500 من الفرسان ليكونوا قوة خاصة للشيخ لردع أي اضطراب في منطقة سيطرته، وهؤلاء الفرسان تدفع الحكومة رواتبهم. كما زاد رشيد باشا من راتب الشيخ الشهري لتعويضه النقص المادي جراء وقف الخوة والغارات. ومع أن هذا الاتفاق قد انهار في السنة التالية إلا انه سجل بداية جديدة بين العثمانيين والقبائل البدوية. ثم تولى العراق عمر باشا فعزز في 1858م قوة الشيخ فرحان بـ 300 جندي إضافي من شباب شمر مع أسلحتهم وجعل نفقاتهم ورواتبهم على خزانة الولاية لتعزيز قوة فرحان وزيادة سيطرته على الأمن والنظام في منطقته ومنع الغارات التي تقوم بها شمر على القرى والقبائل المجاورة لها. ثم واصلت الحكومة معاملتها الودية مع الشيخ فرحان فعهدت إليه سنة 1861م مسؤولية حراسة خط البرق الممدود حديثا من نهر الخابور إلى الزاب الكبير ويمر بديار شمر، وقد قبض الشيخ فرحان لقاء تلك الخدمات مكافأة شهرية قدرها 3600 قرش أو مايعادل راتب 30 خيال غير نظامي.[31][32]

الحملة الحكومية ضد شمر في 1862[عدل]

في 1861م طلب متصرف كركوك من الشيخ فرحان مساعدته لكبح تمرد قبيلة العبيد التي لها عداوة قديمة مع شمر، فسارع فرحان بقواته نحو كركوك التي ما إن علمت العبيد بقدومه حتى سارعوا بقبول الصلح بالشروط التي أقرها متصرف كركوك عليهم. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فقد طلب الشيخ فرحان من فخذ الثابت الشمري العودة إلى مضارب شمر، وقد لجأ بالسابق إلى العبيد بعد خلاف حدث بينهم وبين شمر، إلا أن شيخ الثابت رفض العودة. فقاد عبد الكريم بن صفوق أخو فرحان فرسانه وهاجم فخذ الثابت وقتل شيخهم خليف الحدب، فكان رد فعل الثابت بأن عبروا نهر دجلة بزعامة العجرش وأخذوا بنهب القرى بين الموصل وبغداد، وأسفرت أعمالهم عن نهب حوالي 30 قرية حتى بداية 1862م.[33] وردًا على ذلك نظم الوالي نامق باشا حملة عسكرية كبيرة لطرد شمر من الجزيرة، فاستعان بفرسان غير نظاميين من الزبير والعبيد وعشائر المنتفق للانضمام إلى قوات حكومية من بغداد وأورفة والموصل وتكريت،[34] وبلغ مجموع الحملة 16 ألف فرد، فلم يسبق شن حملة حكومية قوية مثل تلك منذ حملة رشيد باشا سنة 1835-1836.[35]

في مارس 1278/1862 تحركت الحملة الحكومية بقيادة تقي الدين باشا وشبلي باشا وإبراهيم باشا تجاه قبيلة شمر، ولتحاشي تلك الحملة الكبيرة نفذت شمر تكتيكًا بأن تتفرق إلى فريقين: فريق تغلغل إلى أطراف سنجار مع فرحان باشا، وفريق بقيادة عبد الكريم الجربا انسحب غربًا باتجاه نهر الخابور والبليخ مستفيدًا من حرارة الصحراء التي ستزداد مع الوقت.[36] فعلم القادة العثمانيون أن حرارة السهب تشتد بسرعة لا تتحملها خيولهم، فأمامهم أقل من شهر لإجبار شمر على المواجهة وسحقها. واستمر الجيش العثماني يتتبع الشيخ فرحان وعبد الكريم فترة ستة أسابيع، حتى أرغمه الحر الشديد في أواخر أبريل بالإضافة إلى الخلافات بين القادة الثلاثة على وقف المطاردة، فاضطرت العودة إلى ديارها.[37][38] ولكن ذلك لم يكن نصرًا لشمر، فقد أجبرها الوضع الجديد أن تكون في هذا الاقليم معزولة قرب الخابور تعاني من حرارة الصيف ونقص الحبوب لأن نامق باشا سد عليهم المنافذ للوصول إلى أسواق المدن الكبيرة لشراء الحبوب. لذا أرسل فرحان الشيخ سميط الفهد المطلق مندوبًا عنه إلى نامق باشا لغرض التفاوض لحل الخلاف بين ولاية بغداد وقبيلة شمر، فكانت نتيجتها بأن سافر الشيخ فرحان بنفسه إلى بغداد وعقد اتفاقًا كان مكلفًا على القبيلة، إذ وافق على طلب الوالي بدفع غرامة قدرها 40 ألف رأس غنم و3 آلاف جمل و 200 من الخيل. وبالرغم من تخفيض الغرامة بعد ذلك إلا أن فرحان لم يتمكن حتى أبريل 1863 وبمساعدة من 800 فارس عثماني سوى تسليم 3350 رأس غنم و1391 بعير.[39][40] وقد شكل جمع بقية التعويض مشكلة للشيخ فرحان، لأن أخوه عبد الكريم ادعى أن فخذه يمتلك حصانة وحماية من هذا الابتزاز، مما شجع زعماء أفخاذ أخرى أن يطالبوا الشيخ فرحان أن يمنحوا أيضا نفس المعاملة. فازداد الوضع مع الشيخ فرحان تعقيدًا بسبب منافسة أخوه عبد الكريم فضلا عن معارضة فخذ الصايح القوي.[39] ومع ذلك عادت الدولة إلى فرحان باشا راتبه السنوي في 1862/1279 ومنحته أراضي زراعية بعد صدور الطابو العثماني في 26 صفر 1278هـ/1861م. وشجع القانون باستصلاح الأراضي (البور والموات) وإعفاء قبيلة شمر من رسوم التسجيل وإعطائهم الأرض بالمجان مقابل سند تسجيل بثلاثة قروش فقط. تمنعت شمر عن أخذ الأراضي، ولكن فرحان باشا الواعي والمتحضر أخذها وصار من أكبر ملاك الأراضي في الجزيرة.[25]

تمرد عبد الكريم الجربا[عدل]

حين تسلم مدحت باشا ولاية بغداد في أبريل 1869 كانت معظم قبيلة شمر تحت الزعامة الإسمية لفرحان، وكان عبد الكريم قد تزعم عدة أفخاذ من القبيلة، وقد حاول أن ينافس أخيه على زعامة القبيلة ومع ذلك لم تحدث أي قطيعة بينهما. ثم ظهرت إصلاحات مدحت باشا في توطين البدو وفرز الأراضي لهم لاستصلاحها، وقد قبل فرحان بأرض منحت له على الشاطئ الغربي لدجلة في قلعة شرقاط 60 ميلا جنوبي الموصل، وهذا يعني موافقته الضمنية على توطين قبيلته واستزراع الأرض التي أعطتها الحكومة لهم. وتهيئة لذلك أنعمت الحكومة على فرحان لقب الباشوية وراتب شهري مكافأة له. ولكن تلك السياسة لم توافق هوى عبد الكريم الذي اتبع سياسة العداء مع الحكومة، فأخذ ينهب ويغزو القرى والقوافل، ورفض استقبال ممثل والي بغداد، فأراد مدحت باشا توجيه ضربة قوية له، فأعلن أن عبد الكريم أصبح خارجًا عن القانون وأعلن في 17 سبتمبر 1871م/3 رجب 1288هـ عن مكافأة قدرها عشرة ألاف قرش لمن يأتيه بعبد الكريم حيًا وبنصف تلك المكافأة لمن يأتي برأسه.[41][42] أما موقف الشيخ فرحان فقد اتبع سياسة متوازنة ما بين العثمانيين وأخيه، فهو لم يحاول منع أخيه من القيام بثورته، ولم يشارك في تلك الثورة، وأيضا لم يدخل في صراع عسكري لقمع ثورته. وفي ذات الوقت أظهر الشيخ الباشا للعثمانيين أنه ليس مع أخيه وأنه يحاول جاهدًا كبح جماح تلك الثورة، ويعمل على حماية طرق المواصلات بين بغداد وإسطنبول عبر الموصل وكذلك بين الموصل وحلب.[43]

ثم انتقل عبد الكريم بقواته من أورفة إلى الموصل، فضرب المخافر بين الموصل وبغداد في الوقت الذي كان فيه مدحت باشا مشغولا بثورة الفرات الأوسط في الحلة والديوانية بما عرفت بثورة الدغارة، وحاول الثوار التواصل مع عبد الكريم لتوحيد الجهود، ولكن ثورتهم باءت بالفشل قبل وصوله أطراف بغداد. عاد بعدها إلى الشمال واستعد لمواجهة مدحت باشا، فقسم قواته إلى 3 أقسام، ووزعها على الموصل ودير الزور وبغداد. ولم يكن التقسيم العسكري ذو فائدة له، فقد طلب مدحت باشا من واليي الموصل وديار بكر تجهيز قوات ضد عبد الكريم، فتحرك إسماعيل باشا والي ديار بكر جنوبًا ومعه أربعة أفواج من القوات، وتوجه أحمد باشا القائد العام لقوات بغداد (الجيش السادس) نحو قوات عبد الكريم قرب الشرقاط. وعندما اقتربت الجيش الحكومي بدأت القبائل تنفض عن عبد الكريم، وابتعدت جزء من عشيرة سنجارة عنه.[44] فحاصرت القوات الحكومية والقوات المتحالفة معها قوات عبد الكريم من ثلاث جهات ليسهل عليها القضاء عليه. فبدا واضحًا أن عبد الكريم لا يمكنه الصمود طويلا أمام القوات الحكومية، فالتقى الجيشان بالقرب من قلعة الشرقاط حيث انهزم رجاله بعد مقتل أكثر من 300 مقاتل من شمر.[41]

نهاية ثورة عبد الكريم[عدل]

بعد الهزيمة انتقل عبد الكريم إلى الصحراء باتجاه وادي الثرثار ولكن لسوء الحظ كان الوادي قد جف، فهلك العديد من رجال عبد الكريم عطشًا، في حين واصلت القوات العثمانية ومن معها من قبائل دليم وعنزة ملاحقته مع رجاله. وبالنهاية تمكن عبد الكريم ومعه 200 فارس من عبور الفرات باتجاه البادية الجنوبية (الشامية) والاحتماء عند عبد المحسن الهذال شيخ عنزة، غير أن الأخير بسبب تهديدات مدحت باشا بمعاقبة كل من يقدم له يد العون رفض إيواء الشيخ عبد الكريم. وفي محاولة منه للوصول إلى نجد واللجوء عند آل رشيد أمراء حايل كي يتمكن من تجميع قواته، إلا أن محمد بن عبدالله الرشيد اتخذ الموقف نفسه ورفض إيوائه بعد تلقيه رسالة شديدة اللهجة من الوالي،[45][46] ومع أنه لم يصل نجد بعد، حيث بقي في البادية الشامية وهي أرض تتبع قبيلة المنتفق، فأرسل الوالي إلى ناصر بن راشد السعدون الملقب بالأشقر الذي كان على علاقة طيبة معه، بأن يحتال في القبض على الشيخ عبد الكريم الموجود في البادية ومن ثم يرسله حيًا إلى بغداد. فبدأ ناصر السعدون بالتقصي عن مكان عبد الكريم في أرجاء الشامية، حتى وصله الخبر بمكانه فأرسل إليه يدعوه إلى وليمة أعدت لاستقباله والحفاوة به، وذكر له بأنه سيحاول الحصول على عفو له من الحكومة، في حين أخفى الجنود الأتراك عنده للقبض على عبد الكريم. فلما حضر عبد الكريم الجربا إلى مكان الدعوة آمنًا مطمئنًا أمر ناصر السعدون أن يضاف الشيخ عبد الكريم في بيت أحد معتمديه وأمر المعتمد أن يلقي القبض عليه في أي حال كان. فلما رأى عبد الكريم نية الغدر حاول ركوب جواده، ولكن المعتمد وأعوانه كانوا قد أحاطوا به وقبضوا عليه وجرح عبد الكريم إثناء العراك. فأمر ناصر السعدون أن يشد وثاقه ويرسله إلى الوالي مدحت باشا.[47] وفي رواية أخرى تذكر أن عبد الكريم قد دُفِع هو وأنصاره دفعًا باتجاه المنتفق وهناك هاجمهم ناصر باشا السعدون الذي كان بانتظارهم، فأسر عبد الكريم بعد أن جرح في المعركة، ثم أرسله إلى مدحت باشا.[12] حبث أجريت له محاكمة علنية أمام محكمة التمييز لتصدر عليه حكمًا بالإعدام، ولما كان هو من اصحاب الرتب العالية فقد أرسل الوالي الاعلام والمضبطة إلى إسطنبول ليصادق الباب العالي على الحكم، ومن ثم أرسل الشيخ عبد الكريم مقيدًا بحراسة مشددة إلى الموصل، وكتب إلى واليها شبلي باشا أن يعدم عبد الكريم بالمدينة عند وصول الأمر السلطاني بالمصادقة على الإعدام. وقد تم ذلك، وجرى إعدام عبد الكريم الجربا في الأرض المقابلة لجسر الموصل الواقع على نهر دجلة من جهة أطلال نينوى الأثرية وذلك يوم 20 نوفمبر 1871م، ودفنت جثته عند مرقد النبي يونس يالموصل.[48][49]

الحياة الاقتصادية للقبيلة[عدل]

تغيرت أحوال شمر تغييرًا كبيرًا مع احتكاكها القوي بالمدن الكبرى. ففي بداية القرن الـ19 دخل الشيخ بنيه الجربا الموصل، فوجد الأهالي تحدق في وجهه وتنظر إلى غرابة ملابسه وعاداته النجدية. ولكن في الأربعينات والخمسينات من القرن بات عدد كبير من زعماء ورجال القبيلة يدخلون بانتظام إلى مدن الولاية الكبيرة.[50] أما التعامل التجاري للقبيلة فإنها تشتري الحبوب من الحنطة وغيرها من تجار المدن أو المزارعين أنفسهم مقابل مقايضتهم بمنتجات الإبل كاللبن والوبر في حال عدم توفر النقود. وقد دخلت على ثقافة القبيلة أشكال مختلفة من الحياة المدنية عن طريق الباعة المتجولين الذين يبيعونها القماش والسلاح والتبغ والقهوة. ويحتفظ كل شيخ شمري بعلاقات متينة مع أحد التجار أو موظفي الحكومة في المدينة، بحيث تكون مهمتهم مراقبة مصالح القبيلة واستيفاء الخوة من القبائل التي تمر بديار شمر، مقابل حماية أملاك التاجر أو الموظف والمواشي العائدة له.[51]

ابناؤه[عدل]

  • عبد العزيز وشلاش وفيصل: أبناء درة الطائية ويقال لهم الدرة.
  • عبد المحسن وهايس وثويني: أبناء سرحة الزوبعية.
  • العاصي ومجول وجار الله: أبناء جزعة ويقال لهم الجزعة.
  • مطلق: ويقال له ابن العيط، وأمه نوير بنت العيط.
  • الحميدي وزيد وأحمد: أبناء الجرجرية إبنة الشيخ سعدون الجرجري، ويقال لهم الباشات.
  • ميزر وسلطان: أمهم بهيمة بنت القشعم ويقال لهم أبناء القشعمية او الجشعمية.[52]

الملاحظات[عدل]

  1. ^ شريعة مكتبي هي مدرسة خاصة أنشأت في أسطنبول خصيصٌا لأبناء الذوات العرب لاسيما الشيوخ منهم.[12]
  2. ^ كان إبراهيم آغا ضابطًا من ضباط الهايتا، وكان شركسيا مسيحيًا ثم أسلم. واشتهر بتنفيذ مؤامرات ناجحة ضد الزعماء المحليين الثائرين ضد السلطان العثماني، وهو ماهر في التخلص من هؤلاء الزعماء بطريقته الخاصة. فكان يحتال لكي يصل إلى مجلس الأمير الثائر، ثم ينقض عليه فيقتله إما بالسيف أو بالرصاص فينتهي الأمر في سرعة خاطفة، فيعلن أن ذلك كان بأمر السلطان، فيأخذ رأس الضحية وينصرف بها إلى المسؤولين العثمانيين الذين كانوا ينتظرون نجاح مهمته.[21]

المراجع[عدل]

  1. ^ الحمد 2003، صفحة 172.
  2. ^ خضر 2002، صفحة 257.
  3. ^ الحمد 2003، صفحة 173.
  4. ^ أ ب خضر 2002، صفحة 221.
  5. ^ خضر 2002، صفحة 194.
  6. ^ نوار 1969، صفحة 151.
  7. ^ خضر 2002، صفحة 207.
  8. ^ ابن عقيل الظاهري 1982، صفحة 75.
  9. ^ تاريخ العراق السياسي من نهاية حكم مدحت باشا الى قيام حكم الاتحاديين أشرف محمد السيد مؤنس. القاهرة، 1993. ص:80
  10. ^ عباس العزاوي، صفحة 247.
  11. ^ أ ب الحمد 2003، صفحة 165.
  12. ^ أ ب ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها.ألكسندر أداموف. ترجمة: هاشم التكريتي. 2009. ص:504
  13. ^ خضر 2002، صفحات 166-167.
  14. ^ وليامسون 2014، صفحة 84.
  15. ^ أ ب نوار 1969، صفحة 148.
  16. ^ خضر 2002، صفحات 194-196.
  17. ^ وليامسون 2014، صفحة 93.
  18. ^ خضر 2002، صفحات 196-197.
  19. ^ خضر 2002، صفحة 197.
  20. ^ أ ب وليامسون 2014، صفحة 95.
  21. ^ أ ب نوار 1969، صفحة 149.
  22. ^ غازي 2016، صفحة 205.
  23. ^ نوار 1969، صفحة 150.
  24. ^ خضر 2002، صفحات 205-206.
  25. ^ أ ب ت ث الحمد 2003، صفحة 166.
  26. ^ خضر 2002، صفحات 211-212.
  27. ^ نوار 1968، صفحة 175.
  28. ^ خضر 2002، صفحة 212.
  29. ^ لونكريك، ستيفن هيمسلي (2004). أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث (ط. 5). بيروت: دار الرافدين. ص. 273-274.
  30. ^ وليامسون 2014، صفحة 117.
  31. ^ وليامسون 2014، صفحات 119-121.
  32. ^ خضر 2002، صفحة 215.
  33. ^ خضر 2002، صفحات 217-218.
  34. ^ عباس العزاوي، صفحة 140.
  35. ^ وليامسون 2014، صفحة 125.
  36. ^ الحمد 2003، صفحات 166-167.
  37. ^ خضر 2002، صفحة 218.
  38. ^ وليامسون 2014، صفحات 126-127.
  39. ^ أ ب وليامسون 2014، صفحة 128.
  40. ^ خضر 2002، صفحة 219.
  41. ^ أ ب نوار 1969، صفحة 155.
  42. ^ وليامسون 2014، صفحة 144.
  43. ^ خضر 2002، صفحة 225.
  44. ^ خضر 2002، صفحة 239.
  45. ^ خضر 2002، صفحة 240.
  46. ^ العراق في ظل حكم مدحت باشا (1869-1872). د. شاكر حسين مدموم. كلية الآداب- جامعة ذي قار. صفحات:9-12 نسخة محفوظة 2024-05-01 على موقع واي باك مشين.
  47. ^ خضر 2002، صفحات 240-241.
  48. ^ عباس العزاوي، صفحة 263.
  49. ^ خضر 2002، صفحات 242-243.
  50. ^ عباس العزاوي، صفحة 106.
  51. ^ وليامسون 2014، صفحات 133-134.
  52. ^ ابن عقيل الظاهري 1982، صفحة 213.

المصادر[عدل]