علم الدولة العباسية

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
شعار مراجعة الزملاء
شعار مراجعة الزملاء
هذه المقالة تخضع حاليًّا لمرحلة مراجعة الزملاء لفحصها وتقييمها، تحضيرًا لترشيحها لتكون ضمن المحتوى المتميز في ويكيبيديا العربية.
تاريخ بداية المراجعة 14 مايو 2024
علم الخلافة العبَّاسيَّة

التسمية السَّواد
الاعتماد 25 رمضان 129 - 29 ذو الحجَّة 922هـ
(12 يونيو 747 - 22 يناير 1517م)
الاختصاص الدولة العباسية،  والدولة الطولونية،  والدولة الحمدانية،  والدولة السامانية،  والدولة الإخشيدية  تعديل قيمة خاصية (P1001) في ويكي بيانات
المصمم إبراهيم الإمام

علم الدَّولة العبَّاسيَّة أو راية الخلافة العبَّاسيَّة أو شعار العبَّاسيين والمعرُوف اختصارًا باسم السَّواد أو المُسوَّدة، هو علم وراية ولواء تبنته الدَّولة العبَّاسيَّة منذ فترة الثَّورة ضد الأمويين (747-750 م) وتأسيسهم للدولة على معظم أراضي الدَّولة الأمويَّة سنة 132 هـ / 750 م، حتى تنازل الخليفة المُتوكل على الله الثالث عن الخلافة للسُّلطان العُثماني سليم الأول في سنة 922 هـ / 1517 م تزامنًا مع زوال الدَّولة المملوكيَّة رُعاة الخُلفاء بعد سقوط الدَّولة العبَّاسيَّة في بغداد سنة 656 هـ / 1258 م.

مثَّل السَّواد كلًا من العلم واللباس والرَّايات الرَّسميَّة للخُلفاء العبَّاسيين بشكلٍ أساسي، وأنصارهم وجنودهم في بعض الفترات وخاصةً في العصر العبَّاسي حينما كانت بغداد أو سامرَّاء عاصمة البلاد، ولم يكن العلم الأسود مُحتكرًا للخُلفاء، فقد قام العديد من السَّلاطين والمُلوك والأمراء بلبس السَّواد بعد أن أعلنوا تبعيتهم الرمزيَّة للخلافة العبَّاسيَّة وحكموا باسم الخليفة لإضفاء شرعيَّة لحكمهم أمام النَّاس.

أصل العلم[عدل]

ورد أول ذكرٍ لتبني الرَّايات السُّود في ليلة الخميس 25 رمضان سنة 129 هـ / 12 يونيو 747 م، حيث نزل كبير الدُّعاة العبَّاسيين أبُو مُسلم الخُراساني في قرية سفيذنج، حيث بث دُعاته في الناس وأظهر أمر الدَّعوة، وعقد اللَّواء الذي أرسله إليه الإمام إبراهيم بن مُحمَّد ويُدعى الظَّل على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً، وإلى جانبها، عقد الرَّاية وتُسمى السَّحاب على رمحٍ آخر طوله ثلاثة عشر ذراعاً، كما لبس أبُو مُسلم وشيخ الدعوة سُليمان بن كثير وكل من أجاب الدعوة آنذاك لباس السَّواد تعبيرًا عن الانتماء للدعوة وتمييزهم عن غيرهم. وكان معنى هذه الإشارات، أن السَّحاب يُطبق على الأرض، وأن الأرض لا تخلو من الظل كذلك لا تخلو من خليفةٍ عبَّاسي إلى آخر الدَّهر.[1][2][3] وكانت هذه الأحداث في فترة إظهار الدَّعوة العبَّاسيَّة وابتداء مُحاربة الأمويين حكام الدَّولة الإسلاميَّة المُمتدة آنذاك من إفريقية (بالإضافة إلى الأندلس) غربًا حتى خُراسان والسَّند شرقاً.[2][3]

يُعتبر العصر العبَّاسي آخر العُصور الإسلاميَّة المُبكرة التي شهدت بقاء تسميتي اللواء والرَّاية طوال فترة وجود الدَّولة العبَّاسيَّة بشكلٍ عام،[3] وكان لفظ اللواء هو المُعتمد غالبًا في تلك الحُقبة، حيث كان الخليفة يعقد لقائد الجيش أو صاحب الثَّغر لواءه،[4] ومن ثم يقوم قائد الجيش أو صاحب السَّرَّية بعقد الألوية لقادته الميدانيين، على غرار ما حدث في الفتنة الرابعة بين الأمين والمأمون، حيث قام القائد عن الأمين ابن ماهان بتعبئة أصحابه بالرَّايات، فجعل تحت كل راية مائة رجل، وكان يُعرف جيشه بكثرة الرَّايات وتحرُّكها في المعارك على هذا الأساس.[5]

أجمعت المصادر الإسلاميَّة على أن علم العبَّاسيين كان أسود اللَّون، كما ورد ذكر العلم الأسود للعبَّاسيين بشكلٍ صريح في العديد من المصادر، وقد يترافق في بعض الأحيان بشيء من الزينة. ويُورد المُؤرخ أبُو العبَّاس القلقشندي عند حديثه عن الخلع السُّلطانيَّة، أنه من بين هذه الخلع، كان علمٌ أسود مكتوب عليه بالبياض اسم الخليفة، وما يُقوي ذلك الدليل، هو قيام الملك صلاح الدين الأيُّوبي بوقف الخطبة والدُّعاء على المنابر للفاطميين، واستبدالها بالخُطبة والدُّعاء للخليفة العبَّاسي الحسن المُستضيء بأمر الله في سنة 567 هـ / 1171 م، ولمُباركة صلاح الدين وما قام به بإنهاء الدَّولة الفاطميَّة، أرسل الخليفة بالخلع التَّشريفيَّة وللخطباء في الديار المصريَّة جنبًا إلى جنب مع الأعلام السَّوداء.[6]

أسباب اعتماد السَّواد[عدل]

رسمٌ عُثماني يُصور مشهد فتح مكَّة من قبل النَّبيُّ مُحمَّد وأصحابه، بحضور الملكين جبريل وميكال. تم تغطية وجه النبيُّ وصحابته. ويظهر الرَّسم لوائي الفتح، وكانا من الأبيض والأسود. الرسم يعود لعام 1595 م.

تورد المصادر التَّاريخيَّة العديد من الأقاويل حول اتخاذ العبَّاسيين للرَّايات السَّوداء، ومنها أن النَّبيُّ مُحمَّد قد اتخذ السَّواد رايةً له أو فضَّلها على غيرها، إلا أن ذلك لم يكُن صحيحًا بحسب أستاذ التَّاريخ العبَّاسي العراقي فارُوق عمر فوزي، حيث أن النَّبي اتخذ عدد من الألوان كراية، مثل الأبيض والأسود بشكلٍ أساسي، وفي بعض الأحيان الأصفر والأخضر.[7] ويعود أصل اختيار السَّواد بحسب مخطوطة قديمة بعنوان أخبار العبَّاس وولده لمُؤلفٍ مجهول، إلى إبراهيم الإمام حيث قال لأبي هاشم بكير بن ماهان: «إذا شارفتم الثَّلاثين والمائة نجم حقكم، ثم لا يزال في نماء وظهور دعوتكم في البلاد كلها، والسَّواد يا أبا هاشم، لباسنا ولباس أنصارنا وفيه عزُّنا .. كانت راية رسول الله صلَّ الله عليه وسلم سوداء، وكانت راية عليُّ بن أبي طالب سوداء، فعليكم بالسَّواد، فليكن لباسكم وليكن شعاركم يا مُحمَّد يا منصُور». كما أمر أبُو هاشم بتسويد الثياب والرَّايات السُّود ويجهزوها تمهيدًا لخروجهم.[8]

وإلى جانب السبب القائل بأن النَّبيُّ مُحمَّد وعليُّ بن أبي طالب قد اتخذا اللَّون الأسود، يوجد العديد من الأسباب الأخرى والتي تزيد من أهمية السَّواد لدى العباسيين، وتفضيل السَّواد على سائر الألوان، ومنها أن النَّبيُّ داود وأصحابه كانوا يلبسون السَّواد حينما انتصروا على جالوت. والقول أن لون سهم عبد المُطَّلب جد النَّبي والعبَّاسيين حين تنازع مع قريش على بئر زمزم كان أسودًا، بينما كان سهم قريش أبيضًا، وسهم الكعبة أصفرًا. كما أن العبَّاس بن عبد المُطَّلب (جد العبَّاسيين) قد عقد له النَّبيُّ مُحمَّد يوم حنين، وفتح مكَّة رايةً سوداء. ويذهب بعض المُؤرخين إلى أن السَّواد كان رمزًا للحزن على قتلى أهل البيت وأنه أصبح رمزًا للثأر لهم من الأمويين.[9] بالإضافة انتشار النُّبوءات والملاحم والجفر بين الناس.[10]

وبالإضافة إلى تلك الأسباب، فإن الأمر لم يتوقف عند ذلك إذا قيست بالسبب الأخير، ألا وهو وجود وتداول النُّبوءات، والجفر، والملاحم بين النَّاس، والتي كانت تتنبأ بظهور الأعلام السُّود من قبل المشرق. ومما يُروى في أمور النُّبوءات والغيبيَّات أنه قيل لوالي خُراسان الأموي، نصر بن سيَّار: «أيها الأمير حسبك من هذه الأمور والولاية، فإنه قد أطل أمرٌ عظيم سيقوم رجل مجهول النسب يظهر السَّواد ويدعو إلى دولة تكون فيغلب على الأمر وأنتم تنظرون وتضطربون»، ويُؤكد أبُو هاشم بكير بن ماهان أهمية السَّواد للدعوة قائلًا: «إن عز هذه الدَّولة فيه، ولا تزال دعوة بني هاشم عزيزة ما لبس السَّواد أهلها».[10] يقول المُؤرخ اليعقوبي حول أهمية الملاحم والنُّبوءات وأثرها الكبير على الناس قائلًا: «ولما قُتل زيد بن علي، تحرَّكت الشيعة بخُراسان وظهر الدُّعاة ورُويت المنامات وتدورست كتب الملاحم».[11] كما أورد المُؤرخ والعالم ابن كثير الدمشقيُّ بابًا في كتابه البداية والنهاية بعنوان: الإخبار عن دولة بني العبَّاس، وما جاء بها من الأحاديث النبويَّة أو الأخبار التي رُويت من الصَّحابة والتَّابعين وغيرهم، وهذا يدل على وجود اهتمام في مسائل الغيبيَّات آنذاك بين المجتمع.[12]

السَّواد لباس الخُلفاء[عدل]

الخليفة العبَّاسي هارُون الرَّشيد كما ظهر في مخطوطة من كتاب السَّلسَلنامَه لسيد لُقمان، تعود لعام 1006 هـ / 1598 م.

لم يقتصر السَّواد على رايات الدَّولة وألويتها فحسب، بل كان له حضورًا ملحوظًا في لباس الخُلفاء العبَّاسيين الرَّسمي بالإضافة إلى قلانسهم، حيث قام ثاني الخُلفاء والمُؤسس الحقيقي للدَّولة، أبُو جعفر المنصُور بإظهار لبس القُلنسوة السَّوداء الطويلة في البلاد ودواوين الدَّولة. وكان اللواء الأسود يُعطى لوليُّ العهد منذ عهد عاشر الخُلفاء، جعفر المُتوكِّل على الله.[13] وبقي هذا التقليد مُتبعًا حتى العهود العبَّاسيَّة المُتأخرة، حيث يذكر الفيلسوف السرياني ابن العبري، أن الخليفة العبَّاسي السادس والعشرين عبد الله القائم بأمر الله حين قابل السُّلطان السَّلجوقي طغرل بك، كان يرتدي رداءً أسودًا وقلنسوة سوداء تعبيرًا عن رمز الدَّولة القديم، كما كان السُّلطان يكتسي بالسَّواد في لباسه ورأسه تعبيرًا عن تبعيته للخلافة.[14]

وذلك باستثناء سنتين حين قام سابع الخُلفاء عبد الله المأمون، بتبني الرَّاية واللباس والشعار الأخضر في الدَّولة من 2 رمضان سنة 201 حتى 24 صفر 204 هـ / 23 مارس 817 - 23 أغسطس 819 م، وذلك لمقولة أن الأخضر لباس أهل الجنَّة. على إثر بيعته لعليُّ الرضا وليًا للعهد من بعده،[15][16][17] إلا أن الأخير تُوفي قبل تحقيق ذلك، واضطَّر المأمُون لاحقًا وبناءً على رغبة وجوه أهالي بغداد وقادة جيشه مثل طاهر بن الحسين أن يعود للسَّواد.[18] ولم يكن السَّواد اللون الوحيد لدى الخُلفاء، بل كانت ألوان الأزياء في العصر العبَّاسي تشمل سبعة ألوان، وهي الأسود، والأبيض، والأخضر، والأحمر، والبنفسجي، والرَّمادي، والنَّارنجي، إلا أن السَّواد كان اللَّون الأكثر رسميَّة وخاصةً حين يتم مُبايعة الخليفة والمُناسبات الهامَّة.[19]

النُّقوش على السَّواد[عدل]

رسمٌ مُقتبس من كتاب «رايات الإسلام»، ويظهر فيه العلم الذي تبنَّاه ثاني خُلفاء بني العبَّاس، أبُو جعفر المنصُور.[20]

جاء في بعض المصادر والمراجع العربيَّة ما يُعبر بشكلٍ عام عن كتابات الألوية والرَّايات العبَّاسيَّة التي كانت تُنسج أو تُطرَّز عليها الشهادتين، أو بعض الآيات القُرآنيَّة أو العبارات الإسلاميَّة، وقد ذكر المُؤرخ أبو العبَّاس القلقشندي وغيره أن علم الخلافة العبَّاسيَّة كان ذا لونٍ أسود، مكتوبٌ فيه بالبياض أو بالذَّهب «محمد رسول الله». ويدل على ذلك أيضًا أن صاحب الشُّرطة العبَّاسي كان يكتب اسمه تقليدًا لما كان يُكتب على أعلام الدَّولة من أسماء الخُلفاء.[21] ويُورد المُؤرخ المصري عاصم رزق، أن لواء أبُو جعفر المنصُور كُتب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأسفله مكتوب: الله ثقة عبد الله وبه يؤمن، وأسفله: أبو جعفر المنصور، وأسفله: أمير المؤمنين.[20]

بحلول زمن الخليفة عبد الله القائم بأمر الله، كان هُناك اللواء الأبيض الذي جرت به العادة تقديمه إلى أمير الأمراء. وقد أورد كاتب الديوان العبَّاسي هلال الصابئ تفاصيل ما رآه، حيث استُحدث في عهد الخليفة القائم، اللواء المُذهَّب، والذي عقده لعضُد الدَّولة البُويهي، حيث كُتب عليه بالحرير الأبيض: «محمد رسول الله»، وعلى أحد جانبيه بالحبر (داخل عقد أبيض في الوسط) كتابة قُرآنيَّة من آياتٍ مُختلفة مثل:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس كمثله شيئ وهو خالق كل شيء وهو اللطيف الخبير»، كما كُتب على الجانب الآخر: «محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، القائم بأمر الله أمير المؤمنين»، أما حديدة اللواء، فقد كتب على أحد جانبيها البسملة واسم الخليفة والآية 137 من سورة البقرة ونصُها: «بسم الله الرحمن الرحيم الرحيم لعبد الله عبد الله بن أبي جعفر الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين أيده الله .. فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم» وكُتب على الجانب الآخر الآيتين 40 و41 من سورة الحج ونصُّها دون تشكيل: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝٤٠ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ۝٤١ [الحج:40–41].[22]

مُعاداة السَّواد[عدل]

مخطوطة من مقامات الحريري تعود لسنة 1237 م، يظهر اللباس الأسود والرَّايات السُّود لرجُلٍ في المنبر كجزء من ثقافة العصر العبَّاسي.

ارتبطت راية السَّواد بشكلٍ كبير بخلافة بني العبَّاس بعد قيام دولتهم سنة 132 هـ / 750 م، فحظى بتبجيل واحترام من قبل أنصارها، بل ووصلت إلى حد فرح أهالي بغداد لعودة المأمُون إلى السَّواد بعد أن عاتبوه بلطف قائلين: «يا أمير المُؤمنين، تركت لباس آبائك وأهل بيتك ودولتك ولبست الخضرة»، وكان لكبير قُوَّاده طاهر بن الحسين، والأميرة زينب بنت سليمان ردًا مشابه ما جعله يأمر بإسقاط الخضرة والعودة للسَّواد بعد أن انتف السبب الحقيقي لتبنيه والذي كان يُمثله عليُّ الرضا.[23][15]

إلا أنه في المقابل، كان السَّواد محل ازدراء ومُعارضة لدى أعدائهم، واعتُبر البياض بمثابة حركة المُعارضة ضد العبَّاسيين، فكان شعار مُعظم الثُّوار وبنسب عالية من الخوارج الذين عبروا عن سخطهم وتمرُّدهم على الخلافة العبَّاسيَّة في عصرها الأوَّل والثَّاني. ومن أهم الجماعات التي رفعت هذا الشعار في ذلك الزَّمن هم بعض أهل الشَّام والمعروفين بولائهم لبني أميَّة. ثم العلويين الذين اعتبروا الخلافة حقهم المشروع باعتبار أن العبَّاسيين سلبوهم هذا الحق. ثم الفُرس الذين خابت آمالهم المعقودة على مجيء العبَّاسيين ليعيدوا أمجاد فارس القديمة، بالإضافة إلى الوُلاة والأمراء الذين خلعوا طاعتهم للخليفة العبَّاسي، وتبنوا البياض تعبيرًا عن مُخالفتهم للدَّولة.[24] وكان بعض زُعماء الخُرَّميَّة (وهي طائفة مُنشقة عن المجوسيَّة) يشيرون للدين الإسلامي "بالدين الأسود" باعتباره دين المُسوَّدة (العبَّاسيين)، بينما سمُّوا دينهم بالدين الأبيض، تمييزًا له عن الإسلام حسب مفهومهم. وكان الخليفة الفاطمي الإسماعيلي حينما يغضب من أحد المُوظفين لديه أو أساء التصرُّف في عمله، يأمره بلبس السَّواد تحقيرًا له ورمزًا لغضب الدَّولة عليه.[14]

رسمٌ للخليفة المأمُون كما ظهر في كتاب السَّلسلنامَه التُّركي لسيَّد لُقمان، تعود لعام 1006 هـ / 1598 م.

كان لثورات الخوارج نصيبٌ كبير في مسألة التبييض ومُعاداة العبَّاسيين، بعد أن كانوا في حربٍ مُستمرة ضد الأمويين، ويُبرر بطريق أنطاكية التلحمري ثورة أهالي الجزيرة وتبييضهم في خلافة أبُو العبَّاس السَّفَّاح قائلًا: «إن ما قاساه هؤلاء الناس من ظلم ونهب من الجُند الخُراساني أجبرهم على التبييض والثورة ضد العبَّاسيين».[25] وحين ثار مُحمَّد النَّفس الزَّكيَّة طلبًا للخلافة، ذكر المُؤرخ الطَّبري حادثة التبييض من قبل والي السَّند كدلالة على نقض الطاعة عن أبُو جعفر المنصُور لصالح النَّفس الزكيَّة قائلًا:«لما بايع عمر بن حفص لمُحمَّد بن عبد الله (النَّفس الزَّكيَّة) وأوى ابنه عبد الله عنده في السَّند، قطع - أي أظهر - الأعلام البيض والأقبية البيض والقلانس البيض وهيأ لبسته من البياض يصعد فيها إلى المنبر، وتهيأ لذلك يوم الخميس، ولكن جاءه الخبر بقتل محمد» في رمضان سنة 145 هـ / ديسمبر 762 م.[26]

وفي فترة الفتنة الرَّابعة بين الأمين وأخيه المأمُون، اتخذ الأخير من البياض لباسًا له ولجيشه مُؤقتًا، ولم يكُن ذلك حُبًا فيه بقدر ما كان غيظًا مما فعله الأمين من خلعه عن ولاية العهد.[27] ومع ذلك، فقد كان بعض الثَّائرين ضد العبَّاسيين، إذا قرروا العودة عن ثورتهم، فيجب عليهم لبس السَّواد، فذلك دليل إعادة ولائهم وزوال الخطر عنهم، مثل ما قام به عبد الرَّحمن بن أحمد الأطرفي الهاشمي، فبعد أن خلع طاعة المأمُون في بلاد عك اليمنيَّة، جاء إليه جيشٌ كثيف بقيادة دينار بن عبد الله، ومعه كتاب أمان إليه إن سلَّم، فقبل عبد الرَّحمن ووضع يده بيد القائد دينار، ثم دخل بغداد إلى مجلس المأمون، ولبس السَّواد تعبيرًا عن ولائه، وذلك في 29 ذو القعدة سنة 207 هـ / 18 أبريل 823 م.[28][29]في حين، أنه إذا غضب الخليفة العبَّاسي من أحد مُوظفيه بسبب تقصيره أو وجود شُبهةً عليه، يُنزع عنه السَّواد عقابًا له، كما جرى للقاضي يحيى بن أكثم، حينما غضب منه المأمُون نتيجة وشاية الطُّوسي وابن داوُد ضده، فأمر بنفيه من عسكره، وجرَّد السَّواد عنه، ومنعه من الخروج من منزله. وكان نزع السَّواد من أحد موظفي الخلافة يُمثل عقابًا قاسيًا لكل من تُسول له نفسه الخروج عن طاعة الخليفة.[30]

معرض الصور[عدل]

لطالما كان الحديث عن أعلام الدُّول التَّاريخيَّة السَّابقة محل جدال بين الباحثين المُتأخرين، فلم يتم الحديث باستفاضةٍ عنه لدى العُلماء والمُؤرخين الأوائل. استلهم الرَّسامُون والفنَّانُون العديد من رسوماتهم لتحديد شكل وعلم الخلافة العبَّاسيَّة حسب أطروحاتهم، إلا أن الصُّور المُنتشرة لا تُعتبر علمًا رسميًا يُؤخذ به، وذلك لاختلاف مفهوم الأعلام والرَّايات في تلك الفترة عن الأعلام في العصور الحديثة،[31] ومن الرُّسوم المُنتشرة:

التأثير[عدل]

تبنَّت العديد من المُنظمات والإمارات والدُّول والممالك الإسلاميَّة عبر التَّاريخ للرَّاية السَّوداء أو كان جزءًا من علمها، ومع أن بعضها لم يكن له علاقة بالخلافة العبَّاسيَّة، إلا أن العديد من الدول قد تبنته سواءً بهدف التَّبعيَّة الرَّمزيَّة للخلافة العبَّاسيَّة، أو باعتبارها تُمثل جزءًا من تراثها الوطني في العصور اللَّاحقة والمُعاصرة.

في العصور القديمة[عدل]

  • دولة الأغالبة (800-909): نشأت دولة الأغالبة كإمارة تابعة للخلافة العبَّاسيَّة، وتبنَّت السَّواد ونُقش اسم الخليفة جنبًا إلى جنب اسم الأمير الأغلبي، كما شُيَّدت مدينة العبَّاسيَّة تمجيدًا لهم.[وب 1]
  • الدَّولة الطُّولونيَّة (868-905): لم يتوفر معلومات قاطعة مما ورد من المصادر الإسلاميَّة حول أعلام الطُّولونيين، ولكن غالب الظن أن الألوية والرَّايات كانت سوداء، وذلك لكون الطُّولونيين كانوا يحكمون بإسم الخليفة العبَّاسي رسميًا، ولذلك فإن الرَّاجح هو أن لون شارتها مُماثل للخلافة العبَّاسيَّة.[32]
  • الدَّولة الحمدانيَّة (930-1003): نشأت دولة بنو حمدان كإمارة تابعة للخلافة العبَّاسيَّة، ومن الرَّاجح وعلى الأقل في بدايتها كانت تتبنَّى اللَّون والشعار الأسود لبني العبَّاس، إلا أنها اصطدمت لاحقًا بهم.[وب 2]
  • الدَّولة الإخشيديَّة (935-968): على غرار الطُّولونيين، لم يتوفَّر معلومات كافية حول لون علمها أو لوائها، إلا أن الغالب في الظن هو تبنيها للرَّايات السُّود بسبب تبعيَّتها للخلافة العبَّاسيَّة.[32]
  • الدَّولة المملوكيَّة (1250-1517): تحدثت المصادر والمراجع الإسلاميَّة بإسهاب كبير عن مواكب سلاطين المماليك بكثير من المعلومات المُتعلقة بالأعلام والرَّايات والسناجق والعصائب الصَّفراء، وخاصةً ما ذكره المُؤرخان ابن إيَّاس، والقلقشندي أن المماليك الخاصَّكيَّة كانوا يزينون الرماح في هذه المواكب السُلطانيَّة بالأعلام التي كانت تُصنَّع غالبًا من الحرير غير الأصفر، وذلك لكون الحرير الأصفر كان مُخصصًا للواء السُّلطاني، إلا أنه ورد إشارات عديدة حول تبني اللَّون الأسود من قبل المماليك، فقد ذكر ابن إيَّاس، أن السُّلطان قانصوه الغوري قد ركب وعلى رأسه الصَّنجق الخليفتي، وحوله جماعة من الفُقراء والشيخ عفيف الدين بأعلام سود. كما أشار علي باشا مبارك إلى وجود علمان من السَّواد عثر عليهما من بين الخِلَع التي كانت لدى الخُطباء في العصر المملوكي.[33]

في العصور الحديثة[عدل]

دول سابقة[عدل]

دول مُعاصرة (ذات سيادة)[عدل]

جميع الأعلام التي تنتمي لأعلام الوحدة العربيَّة وتتوفَّر على اللَّون الأسود، فهو يرتبط معناها بالخلافة العبَّاسيَّة، ومنها:

دول مُعاصرة (اعتراف محدود)[عدل]

منظمات سابقة[عدل]

منظمات مُعاصرة[عدل]

انظر أيضًا[عدل]

مراجع[عدل]

فهرس المنشورات[عدل]

  1. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 760-761.
  2. ^ أ ب الطبري (2004)، ص. 1446.
  3. ^ أ ب ت رزق (2006)، ص. 64.
  4. ^ رزق (2006)، ص. 65.
  5. ^ رزق (2006)، ص. 66.
  6. ^ رزق (2006)، ص. 123-124.
  7. ^ فوزي (1977)، ص. 242-243.
  8. ^ فوزي (1977)، ص. 243.
  9. ^ فوزي (1977)، ص. 245-246.
  10. ^ أ ب فوزي (1977)، ص. 244.
  11. ^ فوزي (1977)، ص. 245.
  12. ^ ابن كثير (2004)، ص. 979-981.
  13. ^ فوزي (1977)، ص. 246.
  14. ^ أ ب فوزي (1977)، ص. 247.
  15. ^ أ ب فوزي (1977)، ص. 253.
  16. ^ ابن طيفور (2009)، ص. 70.
  17. ^ العبادي (1988)، ص. 103.
  18. ^ الخضري (2003)، ص. 180.
  19. ^ رزق (2006)، ص. 124-125.
  20. ^ أ ب رزق (2006)، ص. 461.
  21. ^ رزق (2006)، ص. 91.
  22. ^ رزق (2006)، ص. 93.
  23. ^ الزركلي (2002)، ج. 3، ص. 66.
  24. ^ فوزي (1977)، ص. 247-248.
  25. ^ فوزي (1977)، ص. 249.
  26. ^ فوزي (1977)، ص. 250.
  27. ^ رزق (2006)، ص. 126-127.
  28. ^ ابن كثير (2004)، ص. 1583.
  29. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 932.
  30. ^ رزق (2006)، ص. 125.
  31. ^ فوزي (1977)، ص. 242.
  32. ^ أ ب رزق (2006)، ص. 129.
  33. ^ رزق (2006)، ص. 138.

فهرس الوب[عدل]

  1. ^ "دولة الأغالبة". قصة الإسلام. 2013-05-27. مؤرشف من الأصل في 2024-05-15. اطلع عليه بتاريخ 2025-05-14. {{استشهاد ويب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول= (مساعدة)
  2. ^ "الدولة الحمدانية". قصة الإسلام. 16 يوليو 2008. مؤرشف من الأصل في 2024-05-14. اطلع عليه بتاريخ 2024-05-14.
  3. ^ أ ب "راية الثورة العربية الكبرى - أم الرايات". الثورة العربيَّة - إدارة التراث الملكي الأردني. مؤرشف من الأصل في 2023-05-29. اطلع عليه بتاريخ 2024-05-14.
  4. ^ "جمعية العربية الفتاة". الموسوعة الدمشقية. مؤرشف من الأصل في 2024-03-03. اطلع عليه بتاريخ 2024-05-14.

معلومات المنشورات كاملة[عدل]

الكُتُب العربيَّة مرتبة حسب تاريخ النشر